لبنان ... ساحة تصفية الحسابات الإقليمية
سامح عباس
مفكرة الإسلام 13-ذوالقعدة-1431هـ / 21-أكتوبر-2010م
تزخر المراكز البحثية والإعلامية الصهيونية بكثير من الدراسات والتقارير التى تكشف فى أحيان كثيرة عن توجهات سياسية واستراتيجية معينة داخل الكيان الصهيوني يمكننا من خلال الإطلاع عليها رصد الخطوات الإجراءات التى قد تقدم عليها إسرائيل ضد محيطها العربي أو الإقليمي. ومن بين الدراسات الاستراتيجية العبرية المهمة، والتي جاءت على عكس الخط المتبع فى المراكز البحثية الصهيونية، دراسة حديثة نشرتها دورية عيدكون استراتيجي العبرية الصادرة عن معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي يعترف الكيان الصهيوني من خلالها بأن لبنان باتت ضحية للصراعات الإقليمية وساحة لتصفية الحسابات فى منطقة الشرق الأوسط، وأنها تتكبد الكثير من الخسائر والأضرار نتيجة لتلك الصراعات التى ليس لها فيها ناقة ولا جمل، وأن ذلك انعكس بوضوح بالغ مع زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد للبنان مؤخراً، وكادت الأمور تصل إلى حد تصادم فارسي - صهيوني على أرض لبنان .
استهلت الدراسة التى أعدها خبير الشئون الدولية "دانيال سوفلمان" بالإشارة إلى أن اللبنانيين تنتابهم حالة من القلق المتزايد خلال الشهور الماضية من التصعيد العسكري فى المنطقة، محذرين من مغبة توريط لبنان فى مواجهة إقليمية جديدة بين إسرائيل من جانب، وسوريا وإيران من جانب آخر. وأشارت الدراسة العبرية إلى أن الصحافة اللبنانية ومن خلال كبار المحللين والمعلقين بها نشرت طوال الشهور الماضية سلسلة من المقالات والتعليقات، جميعها تعبر عن رأي رئيس الوزراء "سعد الحريري" والتى أجمعت على أن الحرس الثوري الإيراني يعمل على صرف الأنظار عما يحدث داخل إيران وتطويرها للبرنامج النووي. فيما أبرزت الدراسة مناشدة عدد من المقالات والتعليقات اللبنانية الأخرى لحزب الله بضرورة الامتناع عن تقديم "مبررات" لإسرائيل لكي تشن عدوانها مجدداً على لبنان مثلما حدث فى حرب 2006.
ونوهت الدراسة العبرية التى تحمل عنوان "سوريا تعود للبنان: تحد الدولة اللبنانية ودور حزب الله" إلى أن أجواء الحرب تخيم دائماً على لبنان، وأن الشارع اللبناني يرى فى نفسه ضحية للصراعات الإقليمية، خاصة على ضوء الخلافات الدولية حول البرنامح النووي الإيراني، والتى قد تؤدي إلى مواجهات عسكرية ، مما يزعزع من الاستقرار الإقليمي ويهدد أمنه، مشيرة إلى أن مثل تلك المواجهات ستعيد سوريا لفرض سيطرتها مجدداً على لبنان.
العودة السورية والهدوء فى لبنان
استطردت الدراسة الإسرائيلية بعد ذلك في الحديث عن عودة الهيمنة السورية على لبنان مرة أخرى بعد إنسحابها العسكري من بيروت 2005، مشيرة إلى أن سوريا تسعى رويداً رويداً لبسط يدها ونفوذها على مقاليد الأمور فى لبنان مرة أخرى من خلال الوسائل التالية :
* عقد التحالفات السياسية مع عدد من الأحزاب والتيارات اللبنانية المختلفة.
* إقصاء معارضيها فى لبنان.
* انتهاجها لسياسة إقليمية أكثر شمولاً.
الهدف من ذلك كله – حسب الدراسة - هو سعى سوريا للتخلص من حالة العزلة التى تعيشها منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، مشيرة إلى أن إنسحاب الجيش السوري من لبنان خلق حالة من الانقسام السياسي بشأن الولاء لدمشق والنزاع العربي الاسرائيلي، وأن هناك أطرافاً عديدة حاولت ملء الفراغ الذي خلفه الانسحاب السوري، (السعودية، فرنسا، أمريكا، إيران) والذى صاحبه أيضا تعاظم الخلافات بشأن مدى جدوى امتلاك حزب الله للسلاح كمنظمة منفصلة عن مؤسسات الدولة. وقد تعاظمت تلك الخلافات لحد أوشك أن يؤدي إلى اندلاع حرب أهلية جديدة. ونوهت الدراسة الإسرائيلية إلى أن الأمور لم تهدأ فى لبنان إلا بعد خمسة أشهر من الانتخابات النيابية، ونجاح سعد الحريري فى تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد التسوية التى تم التوصل إليها عقب لقاء قمة سوري - سعودي عقد فى مطلع شهر أكتوبر من العام الماضي، والتى تضمن مصالح الأطراف كافة. لكن مع ذلك شددت الدراسة على أن حالة الهدوء النسبي الذى تنعم به لبنان حالياً هو على المدى القصير، وأن الوضع مرشح لإنفجار فى أي وقت، فى ظل عودة الخلافات السياسية والطائفية على الساحة مرة أخرى، وبخاصة بعد زيارة الرئيس الإيراني للبنان. ومع ذلك زعمت الدراسة الإسرائيلية أن لبنان حالياً أبعد ما أن تكون دولة مستقلة، مشيرة إلى أنه برغم تبادل سوريا ولبنان للسفراء العام الماضي، وشروعهما فى رسم الحدود بشكل رسمي للمرة الأولى، لكن سوريا تطالب حلفائها فى لبنان الولاء الكامل لها، والانصياع لتوجهاتها وتعليماتها.
الهواجس اللبنانية والصراع على السيطرة
وعن دور حزب الله الموالي لإيران فى جعل لبنان ضحية للصراعات الاقليمية بينه وبين الكيان الصهيوني، تناولت دراسة معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي مكانة حزب الله فى لبنان، وحصوله على تأييد لبناني واسع غير مسبوق حتى من جانب معارضيه، وزعمت أن مخاوف اللبنانيين تكمن فى توريط لبنان فى حرب إقليمية بسبب المواجهات مع إيران، وأن تلك الحرب ستسهم فى ترسيخ السيطرة السورية على لبنان، وهو ما يعني انضمام حزب الله – ومعه لبنان كلها - إلى سوريا فى حال حدوث مواجة إقليمية جديدة.
فى المقابل اعترفت الدراسة الصهيونية ببذل سعد الحريري والرئيس اللبناني ميشيل سليمان بل والجيش اللبناني جهوداً طوال الشهور الأخيرة من أجل منع توريط لبنان فى مواجهة عسكرية مقبلة. ومن بين تلك الجهود – حسبما ذكرت الدراسة - والتى تعارضت مع المخطط السوري - الإيراني، محاولة الرئيس اللبناني أن يوضح وضع ومكانة حزب الله، فى مقابل وضع الأولوية للجيش اللبناني فى كل ما يتعلق بالمسئولية عن حماية لبنان. إجراء كهذا يعكس وجود خلافات عميقة مستبعد تجاوزها أو حلها قريباً وربما يضطر سليمان ليضع حزب الله أمام خيارين إما المقاومة أو الدولة اللبنانية. كما أكد الرئيس اللبناني وخلال مؤتمر الحوار الوطني، والذي عقد بشكل مفاجئ لسوريا، بأن المقاومة سوف يتم تفعيلها فى حالة الاحتلال، أو فى حالة عجز الجيش عن تنفذ مهامه أو فى حالة انهياره تحت ضغط العدو، أو فى حالة مطالبة المساعدة من المقاومة.
وأشارت الدراسة الإسرائيلية إلى أن رئيس الوزراء اللبناني يتفق مع هذا الموقف، بل ويدعو إلى ضرورة بلورة استراتيجية دفاعية يكون للجيش اللبناني دوراً رئيسياً فيها، ومعنى ذلك – وفقاً للدراسة - فإن الدعم الذي يحظى به حزب الله فى أوساط قيادات الدولة، ليس دعماً مطلقاً، وليس معنى التأييد العلني الذي تحظى به المنظمة الشيعية هو بمثابة تفويض شعبي لتعريض الدولة لخطر متجدد يتثمل فى حرب جديدة مع إسرائيل، مثلما حدث فى يونيو 2006.
وترى الدراسة أنه من الصعب حاليا معرفة مدى قدرة الرئيس اللبناني على بلورة استراتيجية دفاعية تخضع حزب الله للدولة اللبنانية، ودوافعه لذلك، معترفة فى الوقت ذاته أنه ليس من مصلحة حزب الله وسوريا انهيار النظام الحاكم فى لبنان، لكن حكم لبناني مستقل وقوى قد يمثل تحد كبير لمصالحهما، وللمدى المتاح لحزب لله المناورة فيه. وتضيف أن الانقسام السياسي والطائفي فى لبنان إزدادت حدته عقب انتهاء حرب لبنان الثانية، وهو الانقسام الذي افتعله حزب الله الذي كان فى حاجة إلى دعم شعبي ومحيط مناسب له لكي يحقق أهدافه الاستراتيجية وهى الحفاظ على المقاومة. حتى ولو لم يتم حل الخلافات الداخلية فإن المحيط الحالي جيد ومناسب لحزب الله، أكثر مما كان عليه فى السنوات الماضية. فبعد خمس سنوات على الانسحاب السوري من لبنان، وبعد أربع سنوات على العدوان الإسرائيلي فإن الحزب يرى أن مراكز القوى فى لبنان وفى منطقة الشرق الأوسط وعلى الساحة الدولية قد تغيرت. وعبرت المنظمة الشيعية عن ذلك على لسان نعيم قاسم نائب الأمين العام للحزب بقوله إنه لا يمكن مقارنة الوضع الذي كان سائداً فى 2005 بالوضع الحالي. فالولايات المتحدة الأمريكية تعيش حالة من القلق فى أفغانستان والعراق، وحزب الله يشعر بارتياح بالغ من وضعه الحالي، الذي لم يكن له مثيل من قبل.
حزب الله وشبح الحرب القادمة
كما تؤكد الدراسة على هذا المنحى التصاعدي لقوة حزب الله فى لبنان بالإشارة إلى أن المنظمة الشيعية لم تعد الآن – كما كانت عليه الحال فى السنوات الماضية - إلى استخدام قضايا تكتيكية مثل مزارع شبعا والأسرى اللبنانيين لكي يبرر وجوده كمنظمة عسكرية، بل أصبح الحزب يعتبر نفسه اليوم لاعباً إقليمياً، وهو ما أكده حسن نصرالله بنفسه عندما قال إن الحزب لم يعد فقط أحد القوى المدافعة عن لبنان، بل أحد القوى الإقليمية والعالمية. وبذلك نجح الحزب فى ترسيخ مكانته داخل لبنان، وأن يضع أمام الدولة اللبنانية حقيقة مطلقة وهى بأن الحزب قادر على تشكيل صورة لبنان فى السنوات القليلة القادمة.
وعلى أية حال تقول الدراسة إن حزب الله فى حاجة دائمة للدعم الشعبي الواسع بقدر الإمكان، والذي سيكون له تأثير على توجهاته، فعلى سبيل المثال إذا تدخل الحزب – دون أن يتم استفزازه من قبل إسرائيل - فى حرب بالمنطقة فى حال إندلاعها، فمن المحتمل أنه سيجعل إسرائيل ستقوم ببداية الهجوم، وبذلك يبرر دخوله تلك الحرب. وفى هذا الشأن توصلت الدراسة إلى عدة استنتاجات نجملها فى النقاط التالية:
- أن حزب الله يستعد حالياً عسكرياً وسياسياً لسيناريو تجدد الحرب مع إسرائيل ، خاصة حرب فى أطار إقليمى.
- حزب الله لا يرغب فى تكرار سيناريو حرب 2006 لكن الصراع بينه وبين إسرائيل لازال مستمراً على مستويات أكثر سرية وأن الحزب ومن خلال تصريحات حسن نصر الله التى يؤكد فيها بأن منظمته لا تتمنى الحرب، يستبعد قيام إسرائيل بشن أى عدوان ضد لبنان خلال الشهور القادمة، بل وخلال السنوات القادمة.
- منذ حرب لبنان الثانية واصل حزب الله إعادة دعم وبناء قوته العسكرية لخلق قوة ردع أمام إسرائيل وأن حسن نصر الله يعتقد بأن تهديداته لإسرائيل تـأتي ضمن عناصر الردع التى يمتلكها الحزب لمنع إسرئيل من شن أى عدوان جديد ضد لبنان.
وهنا تساءلت الدراسة هل قوة الردع التى يزعم نصر الله نجاحه فى بنائها ستجعله يختبر إسرائيل مرة أخرى فى المجال العسكرى، أم أن وجود قوة ردع متبادلة ستجعل الطرفين يفكران جيداً قبل اتخاذ أى قرار عسكرى، بما يضمن استمرار الاستقرار. مضيفة أن الطرفان مقتنعان بأن إندلاع حرب لبنان الثالثه ستكون أصعب، وتداعياتها ستكون بعيدة المدى.
على أيه حال – كما تقول الدراسة - كلما ازدادت السيطرة السورية على لبنان كلما إزدادت مسئوليات حزب الله الذى سيكون جزءً من منظومة الردع السورية وليس اللبنانيه بشكل علنى، لذا من المتوقع أن يقف الحزب إلى جانب سوريا ومن المؤكد إلى جانب إيران فى أى مواجهة مستقبلية ضد إسرئيل. وفى هذه الحالة ترى الدراسة أن زعماء لبنان وربما الجيش اللبنانى سيكونون فى ساحة اختبار حقيقية فى ذلك الوقت. وأن حزب الله يعلم ذلك جيداً، وربما يكون ذلك السبب وراء تصريحات حسن نصر الله العلنية التى أعلن فيها بأن أى محاولة للمساس بالمنظمة فى حال إندلاع حرب جديدة مع إسرائيل (كما حدث على حد زعمه فى حرب 2006) سوف يؤدى هذا الأمر إلى تغيير الأوضاع والمنظومة السياسية السائدة فى لبنان منذ عام 1943 ، ملمحاً إلى إمكانية قيام منظمته بالسيطرة على العاصمة بيروت.
واختتم مركز أبحاث الأمن القومى الإسرائيلى دراسته بالإشارة إلى أن مشاركة حزب الله فى أية مواجهات عسكرية مستقبلية بمنطقة الشرق الأوسط ليست مرهونة بالحزب فقط، بل مرهونة بموافقه قوى أكبر منه على رأسها سوريا وإيران كما أن مشاركته فى تلك المواجهات لن تكون أتوماتيكية خاصة إذا ما رأى بأن رد الفعل الإسرائيلى لن يكون محدوداً. وعلى أيه حال فإن حزب الله نفسه لا يدرك فى تلك المرحلة كيف ينخرط فى مواجهة عسكرية إقليمية وبأى شكل يضع نفسه تحت تصرف سوريا وإيران إذا ما تعرض أي طرف منهما أو كلاهما معاً لأى هجوم إسرائيلى.
Sameh001@hotmail.com
سامح عباس
مفكرة الإسلام 13-ذوالقعدة-1431هـ / 21-أكتوبر-2010م
تزخر المراكز البحثية والإعلامية الصهيونية بكثير من الدراسات والتقارير التى تكشف فى أحيان كثيرة عن توجهات سياسية واستراتيجية معينة داخل الكيان الصهيوني يمكننا من خلال الإطلاع عليها رصد الخطوات الإجراءات التى قد تقدم عليها إسرائيل ضد محيطها العربي أو الإقليمي. ومن بين الدراسات الاستراتيجية العبرية المهمة، والتي جاءت على عكس الخط المتبع فى المراكز البحثية الصهيونية، دراسة حديثة نشرتها دورية عيدكون استراتيجي العبرية الصادرة عن معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي يعترف الكيان الصهيوني من خلالها بأن لبنان باتت ضحية للصراعات الإقليمية وساحة لتصفية الحسابات فى منطقة الشرق الأوسط، وأنها تتكبد الكثير من الخسائر والأضرار نتيجة لتلك الصراعات التى ليس لها فيها ناقة ولا جمل، وأن ذلك انعكس بوضوح بالغ مع زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد للبنان مؤخراً، وكادت الأمور تصل إلى حد تصادم فارسي - صهيوني على أرض لبنان .
استهلت الدراسة التى أعدها خبير الشئون الدولية "دانيال سوفلمان" بالإشارة إلى أن اللبنانيين تنتابهم حالة من القلق المتزايد خلال الشهور الماضية من التصعيد العسكري فى المنطقة، محذرين من مغبة توريط لبنان فى مواجهة إقليمية جديدة بين إسرائيل من جانب، وسوريا وإيران من جانب آخر. وأشارت الدراسة العبرية إلى أن الصحافة اللبنانية ومن خلال كبار المحللين والمعلقين بها نشرت طوال الشهور الماضية سلسلة من المقالات والتعليقات، جميعها تعبر عن رأي رئيس الوزراء "سعد الحريري" والتى أجمعت على أن الحرس الثوري الإيراني يعمل على صرف الأنظار عما يحدث داخل إيران وتطويرها للبرنامج النووي. فيما أبرزت الدراسة مناشدة عدد من المقالات والتعليقات اللبنانية الأخرى لحزب الله بضرورة الامتناع عن تقديم "مبررات" لإسرائيل لكي تشن عدوانها مجدداً على لبنان مثلما حدث فى حرب 2006.
ونوهت الدراسة العبرية التى تحمل عنوان "سوريا تعود للبنان: تحد الدولة اللبنانية ودور حزب الله" إلى أن أجواء الحرب تخيم دائماً على لبنان، وأن الشارع اللبناني يرى فى نفسه ضحية للصراعات الإقليمية، خاصة على ضوء الخلافات الدولية حول البرنامح النووي الإيراني، والتى قد تؤدي إلى مواجهات عسكرية ، مما يزعزع من الاستقرار الإقليمي ويهدد أمنه، مشيرة إلى أن مثل تلك المواجهات ستعيد سوريا لفرض سيطرتها مجدداً على لبنان.
العودة السورية والهدوء فى لبنان
استطردت الدراسة الإسرائيلية بعد ذلك في الحديث عن عودة الهيمنة السورية على لبنان مرة أخرى بعد إنسحابها العسكري من بيروت 2005، مشيرة إلى أن سوريا تسعى رويداً رويداً لبسط يدها ونفوذها على مقاليد الأمور فى لبنان مرة أخرى من خلال الوسائل التالية :
* عقد التحالفات السياسية مع عدد من الأحزاب والتيارات اللبنانية المختلفة.
* إقصاء معارضيها فى لبنان.
* انتهاجها لسياسة إقليمية أكثر شمولاً.
الهدف من ذلك كله – حسب الدراسة - هو سعى سوريا للتخلص من حالة العزلة التى تعيشها منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، مشيرة إلى أن إنسحاب الجيش السوري من لبنان خلق حالة من الانقسام السياسي بشأن الولاء لدمشق والنزاع العربي الاسرائيلي، وأن هناك أطرافاً عديدة حاولت ملء الفراغ الذي خلفه الانسحاب السوري، (السعودية، فرنسا، أمريكا، إيران) والذى صاحبه أيضا تعاظم الخلافات بشأن مدى جدوى امتلاك حزب الله للسلاح كمنظمة منفصلة عن مؤسسات الدولة. وقد تعاظمت تلك الخلافات لحد أوشك أن يؤدي إلى اندلاع حرب أهلية جديدة. ونوهت الدراسة الإسرائيلية إلى أن الأمور لم تهدأ فى لبنان إلا بعد خمسة أشهر من الانتخابات النيابية، ونجاح سعد الحريري فى تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد التسوية التى تم التوصل إليها عقب لقاء قمة سوري - سعودي عقد فى مطلع شهر أكتوبر من العام الماضي، والتى تضمن مصالح الأطراف كافة. لكن مع ذلك شددت الدراسة على أن حالة الهدوء النسبي الذى تنعم به لبنان حالياً هو على المدى القصير، وأن الوضع مرشح لإنفجار فى أي وقت، فى ظل عودة الخلافات السياسية والطائفية على الساحة مرة أخرى، وبخاصة بعد زيارة الرئيس الإيراني للبنان. ومع ذلك زعمت الدراسة الإسرائيلية أن لبنان حالياً أبعد ما أن تكون دولة مستقلة، مشيرة إلى أنه برغم تبادل سوريا ولبنان للسفراء العام الماضي، وشروعهما فى رسم الحدود بشكل رسمي للمرة الأولى، لكن سوريا تطالب حلفائها فى لبنان الولاء الكامل لها، والانصياع لتوجهاتها وتعليماتها.
الهواجس اللبنانية والصراع على السيطرة
وعن دور حزب الله الموالي لإيران فى جعل لبنان ضحية للصراعات الاقليمية بينه وبين الكيان الصهيوني، تناولت دراسة معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي مكانة حزب الله فى لبنان، وحصوله على تأييد لبناني واسع غير مسبوق حتى من جانب معارضيه، وزعمت أن مخاوف اللبنانيين تكمن فى توريط لبنان فى حرب إقليمية بسبب المواجهات مع إيران، وأن تلك الحرب ستسهم فى ترسيخ السيطرة السورية على لبنان، وهو ما يعني انضمام حزب الله – ومعه لبنان كلها - إلى سوريا فى حال حدوث مواجة إقليمية جديدة.
فى المقابل اعترفت الدراسة الصهيونية ببذل سعد الحريري والرئيس اللبناني ميشيل سليمان بل والجيش اللبناني جهوداً طوال الشهور الأخيرة من أجل منع توريط لبنان فى مواجهة عسكرية مقبلة. ومن بين تلك الجهود – حسبما ذكرت الدراسة - والتى تعارضت مع المخطط السوري - الإيراني، محاولة الرئيس اللبناني أن يوضح وضع ومكانة حزب الله، فى مقابل وضع الأولوية للجيش اللبناني فى كل ما يتعلق بالمسئولية عن حماية لبنان. إجراء كهذا يعكس وجود خلافات عميقة مستبعد تجاوزها أو حلها قريباً وربما يضطر سليمان ليضع حزب الله أمام خيارين إما المقاومة أو الدولة اللبنانية. كما أكد الرئيس اللبناني وخلال مؤتمر الحوار الوطني، والذي عقد بشكل مفاجئ لسوريا، بأن المقاومة سوف يتم تفعيلها فى حالة الاحتلال، أو فى حالة عجز الجيش عن تنفذ مهامه أو فى حالة انهياره تحت ضغط العدو، أو فى حالة مطالبة المساعدة من المقاومة.
وأشارت الدراسة الإسرائيلية إلى أن رئيس الوزراء اللبناني يتفق مع هذا الموقف، بل ويدعو إلى ضرورة بلورة استراتيجية دفاعية يكون للجيش اللبناني دوراً رئيسياً فيها، ومعنى ذلك – وفقاً للدراسة - فإن الدعم الذي يحظى به حزب الله فى أوساط قيادات الدولة، ليس دعماً مطلقاً، وليس معنى التأييد العلني الذي تحظى به المنظمة الشيعية هو بمثابة تفويض شعبي لتعريض الدولة لخطر متجدد يتثمل فى حرب جديدة مع إسرائيل، مثلما حدث فى يونيو 2006.
وترى الدراسة أنه من الصعب حاليا معرفة مدى قدرة الرئيس اللبناني على بلورة استراتيجية دفاعية تخضع حزب الله للدولة اللبنانية، ودوافعه لذلك، معترفة فى الوقت ذاته أنه ليس من مصلحة حزب الله وسوريا انهيار النظام الحاكم فى لبنان، لكن حكم لبناني مستقل وقوى قد يمثل تحد كبير لمصالحهما، وللمدى المتاح لحزب لله المناورة فيه. وتضيف أن الانقسام السياسي والطائفي فى لبنان إزدادت حدته عقب انتهاء حرب لبنان الثانية، وهو الانقسام الذي افتعله حزب الله الذي كان فى حاجة إلى دعم شعبي ومحيط مناسب له لكي يحقق أهدافه الاستراتيجية وهى الحفاظ على المقاومة. حتى ولو لم يتم حل الخلافات الداخلية فإن المحيط الحالي جيد ومناسب لحزب الله، أكثر مما كان عليه فى السنوات الماضية. فبعد خمس سنوات على الانسحاب السوري من لبنان، وبعد أربع سنوات على العدوان الإسرائيلي فإن الحزب يرى أن مراكز القوى فى لبنان وفى منطقة الشرق الأوسط وعلى الساحة الدولية قد تغيرت. وعبرت المنظمة الشيعية عن ذلك على لسان نعيم قاسم نائب الأمين العام للحزب بقوله إنه لا يمكن مقارنة الوضع الذي كان سائداً فى 2005 بالوضع الحالي. فالولايات المتحدة الأمريكية تعيش حالة من القلق فى أفغانستان والعراق، وحزب الله يشعر بارتياح بالغ من وضعه الحالي، الذي لم يكن له مثيل من قبل.
حزب الله وشبح الحرب القادمة
كما تؤكد الدراسة على هذا المنحى التصاعدي لقوة حزب الله فى لبنان بالإشارة إلى أن المنظمة الشيعية لم تعد الآن – كما كانت عليه الحال فى السنوات الماضية - إلى استخدام قضايا تكتيكية مثل مزارع شبعا والأسرى اللبنانيين لكي يبرر وجوده كمنظمة عسكرية، بل أصبح الحزب يعتبر نفسه اليوم لاعباً إقليمياً، وهو ما أكده حسن نصرالله بنفسه عندما قال إن الحزب لم يعد فقط أحد القوى المدافعة عن لبنان، بل أحد القوى الإقليمية والعالمية. وبذلك نجح الحزب فى ترسيخ مكانته داخل لبنان، وأن يضع أمام الدولة اللبنانية حقيقة مطلقة وهى بأن الحزب قادر على تشكيل صورة لبنان فى السنوات القليلة القادمة.
وعلى أية حال تقول الدراسة إن حزب الله فى حاجة دائمة للدعم الشعبي الواسع بقدر الإمكان، والذي سيكون له تأثير على توجهاته، فعلى سبيل المثال إذا تدخل الحزب – دون أن يتم استفزازه من قبل إسرائيل - فى حرب بالمنطقة فى حال إندلاعها، فمن المحتمل أنه سيجعل إسرائيل ستقوم ببداية الهجوم، وبذلك يبرر دخوله تلك الحرب. وفى هذا الشأن توصلت الدراسة إلى عدة استنتاجات نجملها فى النقاط التالية:
- أن حزب الله يستعد حالياً عسكرياً وسياسياً لسيناريو تجدد الحرب مع إسرائيل ، خاصة حرب فى أطار إقليمى.
- حزب الله لا يرغب فى تكرار سيناريو حرب 2006 لكن الصراع بينه وبين إسرائيل لازال مستمراً على مستويات أكثر سرية وأن الحزب ومن خلال تصريحات حسن نصر الله التى يؤكد فيها بأن منظمته لا تتمنى الحرب، يستبعد قيام إسرائيل بشن أى عدوان ضد لبنان خلال الشهور القادمة، بل وخلال السنوات القادمة.
- منذ حرب لبنان الثانية واصل حزب الله إعادة دعم وبناء قوته العسكرية لخلق قوة ردع أمام إسرائيل وأن حسن نصر الله يعتقد بأن تهديداته لإسرائيل تـأتي ضمن عناصر الردع التى يمتلكها الحزب لمنع إسرئيل من شن أى عدوان جديد ضد لبنان.
وهنا تساءلت الدراسة هل قوة الردع التى يزعم نصر الله نجاحه فى بنائها ستجعله يختبر إسرائيل مرة أخرى فى المجال العسكرى، أم أن وجود قوة ردع متبادلة ستجعل الطرفين يفكران جيداً قبل اتخاذ أى قرار عسكرى، بما يضمن استمرار الاستقرار. مضيفة أن الطرفان مقتنعان بأن إندلاع حرب لبنان الثالثه ستكون أصعب، وتداعياتها ستكون بعيدة المدى.
على أيه حال – كما تقول الدراسة - كلما ازدادت السيطرة السورية على لبنان كلما إزدادت مسئوليات حزب الله الذى سيكون جزءً من منظومة الردع السورية وليس اللبنانيه بشكل علنى، لذا من المتوقع أن يقف الحزب إلى جانب سوريا ومن المؤكد إلى جانب إيران فى أى مواجهة مستقبلية ضد إسرئيل. وفى هذه الحالة ترى الدراسة أن زعماء لبنان وربما الجيش اللبنانى سيكونون فى ساحة اختبار حقيقية فى ذلك الوقت. وأن حزب الله يعلم ذلك جيداً، وربما يكون ذلك السبب وراء تصريحات حسن نصر الله العلنية التى أعلن فيها بأن أى محاولة للمساس بالمنظمة فى حال إندلاع حرب جديدة مع إسرائيل (كما حدث على حد زعمه فى حرب 2006) سوف يؤدى هذا الأمر إلى تغيير الأوضاع والمنظومة السياسية السائدة فى لبنان منذ عام 1943 ، ملمحاً إلى إمكانية قيام منظمته بالسيطرة على العاصمة بيروت.
واختتم مركز أبحاث الأمن القومى الإسرائيلى دراسته بالإشارة إلى أن مشاركة حزب الله فى أية مواجهات عسكرية مستقبلية بمنطقة الشرق الأوسط ليست مرهونة بالحزب فقط، بل مرهونة بموافقه قوى أكبر منه على رأسها سوريا وإيران كما أن مشاركته فى تلك المواجهات لن تكون أتوماتيكية خاصة إذا ما رأى بأن رد الفعل الإسرائيلى لن يكون محدوداً. وعلى أيه حال فإن حزب الله نفسه لا يدرك فى تلك المرحلة كيف ينخرط فى مواجهة عسكرية إقليمية وبأى شكل يضع نفسه تحت تصرف سوريا وإيران إذا ما تعرض أي طرف منهما أو كلاهما معاً لأى هجوم إسرائيلى.
Sameh001@hotmail.com
الإثنين أغسطس 15, 2011 4:07 pm من طرف Gulf Knight
» الوصول إلى أي مكان في العالم خلال أقل من ساعة هدف أميركي قد يتحقق اليوم
الإثنين أغسطس 15, 2011 4:02 pm من طرف Gulf Knight
» إسرائيل تبحث شراء وسائل قتالية أميركية مستعملة فى العراق
الإثنين أغسطس 15, 2011 4:00 pm من طرف Gulf Knight
» كتيبة بنيامين تجدد التأكيد على جهوزية الجيش الإسرائيلي لمواجهات سبتمبر
الإثنين أغسطس 15, 2011 3:59 pm من طرف Gulf Knight
» قبيل الانسحاب: العراق يتسلّم 22 مروحية مي-17 محدّثة من شركة ARINC الأميركية
الخميس أغسطس 11, 2011 6:30 pm من طرف Gulf Knight
» أفغانستان تتسلم 9 مروحيات "مي-17" من روسيا بحلول نهاية العام
الخميس أغسطس 11, 2011 6:29 pm من طرف Gulf Knight
» مناورات جوية لقوات دول الاتحاد السوفياتي السابق لمكافحة الإرهاب
الخميس أغسطس 11, 2011 6:28 pm من طرف Gulf Knight
» روسيا تطوّر نظامي الدفاع الجوي الجديدين: مارفي و فيتياز
الخميس أغسطس 11, 2011 6:27 pm من طرف Gulf Knight
» إختفاء صواريخ مضادة للدروع من معسكر إسرائيلي في الجولان
الخميس أغسطس 11, 2011 6:26 pm من طرف Gulf Knight
» إسرائيل تطور طائرة جديدة دون طيار
الخميس أغسطس 11, 2011 6:25 pm من طرف Gulf Knight
» إسقاط مروحية تشينوك في أفغانستان يودي بحياة 31 جندياً أميركياً و7 جنود أفغان
الخميس أغسطس 11, 2011 6:23 pm من طرف Gulf Knight
» دبابات الجيش السوري تقتحم مدينتي سراقب وقصير
الخميس أغسطس 11, 2011 6:22 pm من طرف Gulf Knight
» أحزاب الشيطان من طهران إلى العراق ولبنان
الخميس أغسطس 11, 2011 6:20 pm من طرف Gulf Knight
» سوريا وتركيا.. لقاء الوداع؟
الخميس أغسطس 11, 2011 6:19 pm من طرف Gulf Knight
» سوريا: تصورات نهاية النظام
الخميس أغسطس 11, 2011 6:19 pm من طرف Gulf Knight