البحرين تنجح في تضميد جراحها
د. صالح بن بكر الطيار
السياسة الكويتية 20-جمادى الأولى-1432هـ / 23-أبريل-2011م
بدأت البحرين تلملم أنفاسها وتستعيد وضعها الطبيعي وتعيد الحيوية لمؤسساتها وقطاعاتها بعد موجة عارمة من الفوضى استمرت اسابيع عدة وكان من نتيجتها سقوط عشرات القتلى والجرحى من المدنيين والعسكريين إضافة الى الحاق خسائر فادحة في اقتصاد البلاد .
وكانت البحرين قد شهدت حركة تظاهرات شعبية للمطالبة بالإصلاح في مجالات محددة ذات علاقة بالواقع المعيشي ولكن سرعان ما تم استغلال هذه التحركات من قبل بعض القوى الداخلية والإقليمية وتم توجيه التحركات نحو المطالبة بتغيير النظام الأمر الذي كشف عن خلفيات سياسية وأمنية خطيرة كان من الممكن لها ان تطيح بكل مقومات البلاد. ولوحظ في البداية ان قادة البحرين كانوا متجاوبين مع المطالب الإصلاحية وكانوا يدعون قادة المعارضة الى جلسات حوار هادئة وبنَاءة وموضوعية والتي حققت الكثير من الخطوات الإيجابية , لكن يبدو ان ما تم انجازه قد تعارض مع مخططات البعض فكان اللجوء المفاجىء الى الترهيب والعنف واستخدام السلاح والتكسير وتعطيل مرافق الدولة وأحتلال مناطق وعزلها عن الدولة الأم, كما تمت السيطرة على مؤسسات انسانية ورسمية وإجتماعية وتحويلها الى مقرات للتخطيط والتنفيذ . وبدأت في نفس الوقت تظهر ملامح تدخلات اقليمية استهدفت استغلال الواقع وتجييره باتجاهات أخرى الأمر الذي لم يعد يهدد امن واستقرار البحرين فقط بل كل دول الخليج العربي .
وهنا كان لا بد من استعانة دولة البحرين بأشقائها من دول مجلس التعاون الخليجي وطلب يد المساعدة العسكرية لإعادة ضبط الأمور . وجاءت الاستجابة الفورية من دول المجلس لطلب البحرين بالدعم العسكري, وما سبقها من دعم مالي خليجي كبير للمملكة, لتؤكد أن دول المجلس مصممة على استكمال الوحدة الخليجية, وأنها باتت أكثر اقتناعًا بأن الوضعين الإقليمي والدولي يمثلان معطيات مهمة في صنع القرار, وأن بقاء الأوضاع القائمة ليس في مصلحتها, وأن انفراط عقد هذا المجلس من شأنه أن يجعل دوله عرضة لحركة استقطاب قوية من قبل أطراف إقليمية نشطة, وأنه لم يعد بإمكانها النظر للمستقبل منفردة, ولو تصرفت في أحيان كثيرة عكس ذلك, فمستقبل كل دولة أصبح متعلقًا بالأخرى إلى درجة أصبحت مصيرية.
واستند دخول قوات من درع الجزيرة إلى البحرين, والذي حرص مجلس التعاون على تأكيد أنه تدخل أمني وليس عسكريًا, على رصيد متراكم من الاتفاقيات الأمنية والعسكرية بين دول المجلس, وما استقر عليه مسار هذا التعاون خلال ثلاثين عامًا, وانطلاقًا من مبدأ وحدة المصير وترابط أمنها, وفي ضوء المسؤولية المشتركة لها في المحافظة على الأمن والاستقرار التي هي مسؤولية جماعية, باعتبار أن أمن دول مجلس التعاون كل لا يتجزأ .
ولا يعني تدخل هذه القوات فرض سيطرتها على البلاد, بل ستعمل تحت سيطرة القوات الوطنية في البحرين, وفقًا لاتفاقيات مجلس التعاون الخليجي, التي تنص على أن "أي قوة خليجية تدخل إلى دولة من دول المجلس تنتقل قيادتها إلى الدولة نفسها", كما ستعمل قوات درع الجزيرة في البحرين على تأمين المنشآت والمؤسسات الحيوية في البلاد, خوفًا من بطش المخربين بها, وأن تترك مهمة التعامل مع مثيري الشغب البحرينيين للقوات الوطنية, حتى لا تحدث أي فتنة أو أزمة.
وبذلك امكن اعادة الأوضاع امنياً الى نصابها وتم وضع حد نهائي لعملية الفوضى التي كانت سائدة وعاد المواطنون الى ممارسة اعمالهم وأشغالهم وأعيد فتح المؤسسات الرسمية والخاصة . ولقد بلغت خسائر الاقتصاد حوالي 550 مليون دينار بحريني (1.4 مليار دولار) نتيجة انخفاض نسبة الأشغال في الفنادق مما يزيد على 90في المئة وإلغاء سباق "الفورمولا -1" الذي يضخ في دورة الاقتصاد البحريني 600 مليون دولار سنويًا, كما يستقطب سنويًا أكثر من 40 ألف شخص, وهو ما مثل ضربة لهذا القطاع, وانخفاض سعر الدينار نتيجة الضغط على شراء الدولار من قبل المستثمرين من أجل التخارج من الاستثمارات السائلة, وارتفاع كلفة تأمين ديون البحرين السيادية , وهبوط أسعار الصكوك البحرينية المقومة بالدولار والتي تستحق في العام 2014 إلى أدنى مستوى لها منذ مارس 2011 , وانخفاض القيمة السوقية الإجمالية لبورصة البحرين بنحو 100 مليون دينار في يوم واحد, وهو يوم 20 مارس , وعزوف الناس عن الشراء (عدا المواد الغذائية والوقود) ,وإصابة ما بين 80 ¯ 90 في المئة من قطاع الصناعة بالشلل; وتراجع مبيعات رجال الأعمال البحرينيين في قطاعي التجارة والصناعة إلى نسب تتراوح بين 40 ¯ 60 في المئة, بعد أقل من ثلاثة أسابيع من الأحداث , وتوقف قدوم الاستثمارات الأجنبية التي يحتاجها الاقتصاد لتنويع قاعدته وإتاحة المزيد من فرص العمل, فالمستثمر يحتاج بيئة استثمارية آمنة مستقرة نشطة, وأصيب قطاع النقل البري بالشلل التام حيث تقدر خسائره بنحو 84 ألف دينار يوميًا أي نحو نصف مليون دينار في الأسبوع , وتراجعت مبيعات العقارات بسبب الظروف المضطربة , وتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي للبحرين هذا العام إلى 3.4 في المئة, وتراجع الإيرادات الحكومية. وليس من باب المبالغة القول ان ما خسرته البحرين خلال ايام قليلة قد تحتاج الى اشهر عدة من اجل استرجاعه. ولكن المهم ان تبقى الأجواء الهادئة سائدة وأن تتوقف التدخلات الخارجية والا يتم السماح للأخرين بالتعامل مع البحرين وكأنها حقل تجارب.
• رئيس مركز الدراسات العربي والاوروبي
www.ceea.com55@gmail.com
د. صالح بن بكر الطيار
السياسة الكويتية 20-جمادى الأولى-1432هـ / 23-أبريل-2011م
بدأت البحرين تلملم أنفاسها وتستعيد وضعها الطبيعي وتعيد الحيوية لمؤسساتها وقطاعاتها بعد موجة عارمة من الفوضى استمرت اسابيع عدة وكان من نتيجتها سقوط عشرات القتلى والجرحى من المدنيين والعسكريين إضافة الى الحاق خسائر فادحة في اقتصاد البلاد .
وكانت البحرين قد شهدت حركة تظاهرات شعبية للمطالبة بالإصلاح في مجالات محددة ذات علاقة بالواقع المعيشي ولكن سرعان ما تم استغلال هذه التحركات من قبل بعض القوى الداخلية والإقليمية وتم توجيه التحركات نحو المطالبة بتغيير النظام الأمر الذي كشف عن خلفيات سياسية وأمنية خطيرة كان من الممكن لها ان تطيح بكل مقومات البلاد. ولوحظ في البداية ان قادة البحرين كانوا متجاوبين مع المطالب الإصلاحية وكانوا يدعون قادة المعارضة الى جلسات حوار هادئة وبنَاءة وموضوعية والتي حققت الكثير من الخطوات الإيجابية , لكن يبدو ان ما تم انجازه قد تعارض مع مخططات البعض فكان اللجوء المفاجىء الى الترهيب والعنف واستخدام السلاح والتكسير وتعطيل مرافق الدولة وأحتلال مناطق وعزلها عن الدولة الأم, كما تمت السيطرة على مؤسسات انسانية ورسمية وإجتماعية وتحويلها الى مقرات للتخطيط والتنفيذ . وبدأت في نفس الوقت تظهر ملامح تدخلات اقليمية استهدفت استغلال الواقع وتجييره باتجاهات أخرى الأمر الذي لم يعد يهدد امن واستقرار البحرين فقط بل كل دول الخليج العربي .
وهنا كان لا بد من استعانة دولة البحرين بأشقائها من دول مجلس التعاون الخليجي وطلب يد المساعدة العسكرية لإعادة ضبط الأمور . وجاءت الاستجابة الفورية من دول المجلس لطلب البحرين بالدعم العسكري, وما سبقها من دعم مالي خليجي كبير للمملكة, لتؤكد أن دول المجلس مصممة على استكمال الوحدة الخليجية, وأنها باتت أكثر اقتناعًا بأن الوضعين الإقليمي والدولي يمثلان معطيات مهمة في صنع القرار, وأن بقاء الأوضاع القائمة ليس في مصلحتها, وأن انفراط عقد هذا المجلس من شأنه أن يجعل دوله عرضة لحركة استقطاب قوية من قبل أطراف إقليمية نشطة, وأنه لم يعد بإمكانها النظر للمستقبل منفردة, ولو تصرفت في أحيان كثيرة عكس ذلك, فمستقبل كل دولة أصبح متعلقًا بالأخرى إلى درجة أصبحت مصيرية.
واستند دخول قوات من درع الجزيرة إلى البحرين, والذي حرص مجلس التعاون على تأكيد أنه تدخل أمني وليس عسكريًا, على رصيد متراكم من الاتفاقيات الأمنية والعسكرية بين دول المجلس, وما استقر عليه مسار هذا التعاون خلال ثلاثين عامًا, وانطلاقًا من مبدأ وحدة المصير وترابط أمنها, وفي ضوء المسؤولية المشتركة لها في المحافظة على الأمن والاستقرار التي هي مسؤولية جماعية, باعتبار أن أمن دول مجلس التعاون كل لا يتجزأ .
ولا يعني تدخل هذه القوات فرض سيطرتها على البلاد, بل ستعمل تحت سيطرة القوات الوطنية في البحرين, وفقًا لاتفاقيات مجلس التعاون الخليجي, التي تنص على أن "أي قوة خليجية تدخل إلى دولة من دول المجلس تنتقل قيادتها إلى الدولة نفسها", كما ستعمل قوات درع الجزيرة في البحرين على تأمين المنشآت والمؤسسات الحيوية في البلاد, خوفًا من بطش المخربين بها, وأن تترك مهمة التعامل مع مثيري الشغب البحرينيين للقوات الوطنية, حتى لا تحدث أي فتنة أو أزمة.
وبذلك امكن اعادة الأوضاع امنياً الى نصابها وتم وضع حد نهائي لعملية الفوضى التي كانت سائدة وعاد المواطنون الى ممارسة اعمالهم وأشغالهم وأعيد فتح المؤسسات الرسمية والخاصة . ولقد بلغت خسائر الاقتصاد حوالي 550 مليون دينار بحريني (1.4 مليار دولار) نتيجة انخفاض نسبة الأشغال في الفنادق مما يزيد على 90في المئة وإلغاء سباق "الفورمولا -1" الذي يضخ في دورة الاقتصاد البحريني 600 مليون دولار سنويًا, كما يستقطب سنويًا أكثر من 40 ألف شخص, وهو ما مثل ضربة لهذا القطاع, وانخفاض سعر الدينار نتيجة الضغط على شراء الدولار من قبل المستثمرين من أجل التخارج من الاستثمارات السائلة, وارتفاع كلفة تأمين ديون البحرين السيادية , وهبوط أسعار الصكوك البحرينية المقومة بالدولار والتي تستحق في العام 2014 إلى أدنى مستوى لها منذ مارس 2011 , وانخفاض القيمة السوقية الإجمالية لبورصة البحرين بنحو 100 مليون دينار في يوم واحد, وهو يوم 20 مارس , وعزوف الناس عن الشراء (عدا المواد الغذائية والوقود) ,وإصابة ما بين 80 ¯ 90 في المئة من قطاع الصناعة بالشلل; وتراجع مبيعات رجال الأعمال البحرينيين في قطاعي التجارة والصناعة إلى نسب تتراوح بين 40 ¯ 60 في المئة, بعد أقل من ثلاثة أسابيع من الأحداث , وتوقف قدوم الاستثمارات الأجنبية التي يحتاجها الاقتصاد لتنويع قاعدته وإتاحة المزيد من فرص العمل, فالمستثمر يحتاج بيئة استثمارية آمنة مستقرة نشطة, وأصيب قطاع النقل البري بالشلل التام حيث تقدر خسائره بنحو 84 ألف دينار يوميًا أي نحو نصف مليون دينار في الأسبوع , وتراجعت مبيعات العقارات بسبب الظروف المضطربة , وتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي للبحرين هذا العام إلى 3.4 في المئة, وتراجع الإيرادات الحكومية. وليس من باب المبالغة القول ان ما خسرته البحرين خلال ايام قليلة قد تحتاج الى اشهر عدة من اجل استرجاعه. ولكن المهم ان تبقى الأجواء الهادئة سائدة وأن تتوقف التدخلات الخارجية والا يتم السماح للأخرين بالتعامل مع البحرين وكأنها حقل تجارب.
• رئيس مركز الدراسات العربي والاوروبي
www.ceea.com55@gmail.com
الإثنين أغسطس 15, 2011 4:07 pm من طرف Gulf Knight
» الوصول إلى أي مكان في العالم خلال أقل من ساعة هدف أميركي قد يتحقق اليوم
الإثنين أغسطس 15, 2011 4:02 pm من طرف Gulf Knight
» إسرائيل تبحث شراء وسائل قتالية أميركية مستعملة فى العراق
الإثنين أغسطس 15, 2011 4:00 pm من طرف Gulf Knight
» كتيبة بنيامين تجدد التأكيد على جهوزية الجيش الإسرائيلي لمواجهات سبتمبر
الإثنين أغسطس 15, 2011 3:59 pm من طرف Gulf Knight
» قبيل الانسحاب: العراق يتسلّم 22 مروحية مي-17 محدّثة من شركة ARINC الأميركية
الخميس أغسطس 11, 2011 6:30 pm من طرف Gulf Knight
» أفغانستان تتسلم 9 مروحيات "مي-17" من روسيا بحلول نهاية العام
الخميس أغسطس 11, 2011 6:29 pm من طرف Gulf Knight
» مناورات جوية لقوات دول الاتحاد السوفياتي السابق لمكافحة الإرهاب
الخميس أغسطس 11, 2011 6:28 pm من طرف Gulf Knight
» روسيا تطوّر نظامي الدفاع الجوي الجديدين: مارفي و فيتياز
الخميس أغسطس 11, 2011 6:27 pm من طرف Gulf Knight
» إختفاء صواريخ مضادة للدروع من معسكر إسرائيلي في الجولان
الخميس أغسطس 11, 2011 6:26 pm من طرف Gulf Knight
» إسرائيل تطور طائرة جديدة دون طيار
الخميس أغسطس 11, 2011 6:25 pm من طرف Gulf Knight
» إسقاط مروحية تشينوك في أفغانستان يودي بحياة 31 جندياً أميركياً و7 جنود أفغان
الخميس أغسطس 11, 2011 6:23 pm من طرف Gulf Knight
» دبابات الجيش السوري تقتحم مدينتي سراقب وقصير
الخميس أغسطس 11, 2011 6:22 pm من طرف Gulf Knight
» أحزاب الشيطان من طهران إلى العراق ولبنان
الخميس أغسطس 11, 2011 6:20 pm من طرف Gulf Knight
» سوريا وتركيا.. لقاء الوداع؟
الخميس أغسطس 11, 2011 6:19 pm من طرف Gulf Knight
» سوريا: تصورات نهاية النظام
الخميس أغسطس 11, 2011 6:19 pm من طرف Gulf Knight