حان الوقت لاتخاذ موقف متشدد تجاه إيران
مايكل آيزنشتات وديفيد كريست
فورين بوليسي.كوم, 11 آب/أغسطس 2010
امتلأت وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة بتكهنات حول احتمال قيام ضربة وقائية أمريكية أو إسرائيلية ضد البنية التحتية النووية الإيرانية -- بدءاً من تعليق المدير الأسبق لـ "وكالة الإستخبارات المركزية" الأمريكية مايكل هايدن في الشهر الماضي الذي أفاد أن الإنجراف نحو عمل عسكري ضد إيران يبدو "حتمياً" وحتى البيان الأخير لرئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأمريكية الأدميرال مايكل مولن الذي قال فيه أن الجيش الأمريكي أعد خططاً للهجوم على الجمهورية الإسلامية. لكن نظراً للتطورات الأخيرة في إيران فعلى الأقل من المرجح أن تكون طهران المتزايدة في عدائها، هي الطرف الذي سيتخذ الخطوة التي ستشعل شرارة الصراع مع الولايات المتحدة -- سواء بعمل إرهابي، أو بتسهيل هجمات المتمردين في العراق، أو أفغانستان، أو باستفزاز عسكري في الخليج أو في مكان آخر -- إلا إذا تحركت واشنطن بحذر وحزم في آن واحد لتفادي هذا الإحتمال.
وهناك عدد من الأسباب التي قد تؤدي إلى قيام إيران، وليس الولايات المتحدة أو إسرائيل، باتخاذ الخطوة الأولى. فقد أعلن المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس محمود أحمدي نجاد وغيرهما من كبار المسؤولين في مناسبات عديدة عن إيمانهم بأن الولايات المتحدة قوة آخذة في التدهور، وأن النظام الدولي الذي عزز نفوذ الولايات المتحدة آخذ في التداعي، وأن القوة الأمريكية قد وهنت بفعل الحروب الطويلة في أفغانستان والعراق.
وفي خطابه في أيلول/سبتمبر 2008 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أكد أحمدي نجاد أن "الإمبراطورية الأمريكية ... تصل إلى نهاية طريقها". بينما بشر في خطابه لنفس الهيئة بعد ذلك بعام بالزوال القادم لـ "الليبرالية والرأسمالية"، وانتقد بقسوة فشل "الهياكل السياسية والإقتصادية التي نشأت بعد....الحرب العالمية الثانية". ودعا إلى إصلاح الأمم المتحدة، والنظام الإقتصادي الدولي، ونظام العلاقات الدولية برمته. وبالمثل، صرح خامنئي خلال اجتماع مع مشرِّعين إيرانيين في طهران في حزيران/يونيو المنصرم، بأن "الرأسمالية آخذة في الإنهيار"، وأن "تغيرات كبرى تجري فيما يتعلق بمكانة الولايات المتحدة".
وقد شعرت إيران أيضاً بالإطمئنان مجدداً بسبب عزلة إسرائيل المتنامية التي تعتبرها جزءاً من عملية طويلة الأمد تؤدي إلى زوال الدولة اليهودية، وقد تشجعت بفضل تقدمها البطئ ولكن الحثيث في برامج الصواريخ والأسلحة النووية الخاصة بها. وهكذا، فباستشعار قادة إيران بضعف أعدائهم وإدراكهم بأن هناك فرصة سانحة، ربما قد ينغرون بتعجيل عملية "التراجع" هذه من خلال اتخاذهم خطوة تهدف إلى إذلال الولايات المتحدة، وتسليط الضوء على الحدود التي تنحصر فيها القوة الأمريكية.
لقد انزعجت إيران من دور الولايات المتحدة في تمرير أربع جولات من عقوبات الأمم المتحدة، وما تعتبره بأنها يد أمريكية معادية وراء ظهور حركة معارضة ديمقراطية شعبية. ورداً على الجولة الأخيرة من العقوبات، قال رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني أن أية دول "تقوم بتفتيش الشحنات الإيرانية الجوية والبحرية" بحثاً عن أية مواد ممنوعة امتثالاً للعقوبات سوف تكون هدفاً لـ "عمل صارم ضد سفنها في الخليج الفارسي وبحر عمان". إن تحذيره الذي ردده عدد من المسؤوليين العسكريين الكبار ربما يهيئ الأجواء لمواجهة بحرية.
وعلاوة على ذلك، تلوم الجمهورية الإسلامية أيضاً الولايات المتحدة بسبب تفجيرين انتحاريين لمسجد شيعي في 15 تموز/يوليو في مدينة زاهدان، وهو الأخير في سلسلة هجمات شنتها جماعة «جند الله» السنية المتطرفة ومقرها في إقليم سيستان وبلوشستان جنوب شرق إيران. وفي أعقاب هجوم زاهدان حذر أحد كبار مسؤولي «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» العميد مسعود جزايري، من أن الولايات المتحدة ستواجه "عواقب" غير محددة بسبب هذه الحادثة.
ويبدو أن إيران تزيد أيضاً الدعم المقدم لهجمات تمردية ضد القوات الأمريكية المغادرة من العراق، من أجل خلق انطباع بأن الولايات المتحدة قد أُجبرت على الخروج من تلك البلاد. وقد صرح مؤخراً القائد العسكري الأمريكي الأعلى في العراق الجنرال ريموند أوديرنو، أن إيران تقوم بتسليح وتدريب ثلاث جماعات عراقية -- وهي «عصائب أهل الحق»، و «لواء اليوم الموعود» لمقتدى الصدر، و «كتائب حزب الله» -- وحذر من أن «كتائب حزب الله» كانت تخطط، بمساعدة مستشارين إيرانيين في العراق، لزيادة الهجمات على القوات الأمريكية. وبالفعل، من المرجح أن تكون إحدى هذه الجماعات قد وقفت وراء الهجوم الصاروخي الذي وقع قبل ثلاثة أسابيع وأسفر عن مقتل ثلاثة من حراس الأمن العاملين لدى السفارة الأمريكية في بغداد.
لقد خلقت التغييرات النسبية الأخيرة في [تعيين] الأفراد التي جرت في هيكل قيادة الجيش الإيراني مخاوف إضافية حول النوايا الإيرانية. فقد كان وزير الدفاع الجديد في حكومة أحمدي نجاد العميد أحمد وحيدي قد قضى خدمته في «قوة القدس» وهي فرع من «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» الضالع في الإرهاب وفي تصدير الثورة الإسلامية. وقد تورط شخصياً في تفجير «أبراج الخبر» في المملكة العربية السعودية عام 1996 مما أسفر عن مقتل 19 جندياً أمريكياً، فضلاً عن غيرها من أعمال الإرهاب. كما أن القائد المعين حديثاً لبحرية «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» وهو نائب الأدميرال علي فدوي كان قد قاد القوات البحرية لـ «الفيلق» في الخليج الفارسي قرب نهاية الحرب بين إيران والعراق عندما أصيبت تلك القوات بضربات مدممة من قبل البحرية الأمريكية. وقد اشتهر بأنه متشدد مدفوع بالرغبة في الإنتقام من ذلك الإذلال والإسقاط غير المتعمد لطائرة ركاب إيرانية من قبل الجيش الأمريكي عام 1988. وكلاهما كانا من بين جوقة من الأصوات التي حذرت القوات الأجنبية من الصعود على متن السفن الإيرانية وتفتيشها بموجب عقوبات الأمم المتحدة الأخيرة.
وبينما قد يكون بعض قادة إيران راضين من الإستمرار في المسار الحالي التي تتبعه البلاد، وهو السعي لانعتاق نووي بطيء الحركة وإذكاء التوترات الإسرائيلية العربية في غزة أو لبنان، ربما يرحب البعض، لأسباب سياسية داخلية، بوقوع صراع محدود مع الولايات المتحدة. ويمكن أن يتخذ ذلك شكل صدام مع القوات البحرية الأمريكية في «الخليج»، أو عمل يستوجب القيام بضربات جوية أمريكية انتقامية مع الإحتفاظ في الوقت نفسه على [سلامة] البنية التحتية الإقتصادية لإيران وعلى قواتها المسلحة. وربما تأمل القيادة الإيرانية أن يؤدي مثل هذا الصدام إلى صرف الأنظار عن الصعوبات الإقتصادية التي سببتها العقوبات، ويقدم ذريعة لإتخاذ إجراءات صارمة وقاسية ضد المعارضة المحلية، ويوحد السكان المنقسمين وراء نظام محاصر بالإنتقادات ولا يحظى بشعبية. ولهذه الأسباب، تخدم الدبلوماسية حالياً المصالح الأمريكية، في حين أن صراعاً محدوداً، ربما قد يخدم مصالح بعض كبار صناع السياسة في الجمهورية الإسلامية.
إن جميع هذه العوامل، بالإضافة إلى الطبيعة الإنعزالية للقيادة الإيرانية، والتي تبدو أحياناً أنها تصدق دعايتها حول تراجع الولايات المتحدة من جهة والقوة الإيرانية المتنامية من جهة أخرى، يمكن أن تسبب إساءة طهران لحساباتها أو خطئها، ربما برعاية عمل إرهابي، أو استثارة القوات الأمريكية في الخليج الفارسي -- كما فعلت القوارب الإيرانية الصغيرة في الماضي -- أو بتكثيف الدعم للجماعات المتمردة في العراق وأفغانستان.
ينبغي على الولايات المتحدة أن ترد على هذه الإمكانية العالية للصراع بإشعار طهران أنها مستعدة لهذه الإحتماليات عن طريق إرسال إشارات لا لبس فيها وبصورة هادئة إلى إيران من خلال القنوات الدبلوماسية والعسكرية ووسائل الإعلام. إن ذلك سوف يعطي طهران سبباً للتردد، لأن هجوم سري ضد عدو يقظ هو أقل احتمالاً للنجاح، وأكثر رجحاً لاقتفاء أثره إلى المصدر الذي جاء منه. وفي الحقيقة، تعتبر تحذيرات الجنرال أوديرنو الأخيرة بأن الجماعات التي ترعاها إيران كانت تخطط للقيام بهجمات في العراق خطوة أولى جيدة في هذا الصدد.
يجب على الولايات المتحدة أيضاً أن تشير بأنها مستعدة للرد بحزم على أية استفزازات إيرانية مستقبلية. فقدرة واشنطن على ردع الأفعال العدوانية الإيرانية قد تم تقويضها بقيام سجل من عدم الرد أو الرد بصورة مترددة على الهجمات الإرهابية التي رعتها إيران في الماضي مثل تفجير ثكنات مشاة البحرية الأمريكية في لبنان عام 1983، وتفجيرات «أبراج الخبر» عام 1996. وقد تجنبت الولايات المتحدة أيضاً الرد على الإستفزازات الإيرانية مثل الهجمات الوهمية والتظاهر بزرع الألغام في الخليج الفارسي. وفي الماضي ربما كان لضبط النفس مزية تجنب المزيد من التصعيد، ومع ذلك، ونظراً للتوجه الحالي للقادة الرئيسيين في طهران، فعلى الأرجح سيتم تفسير ضبط النفس بأنه ضعف، ولن يزيد المتشددين إلا جرأة وقوة، وسيؤدي إلى المزيد من التحديات.
ينبغي على واشنطن أيضاً أن تبلغ طهران أنها لن ترد بالضرورة بطريقة مشابهة أو تناسبية على الإستفزازات الإيرانية كما فعلت عندما حاولت احتواء التمرد العراقي خلال التسعينات من القرن الماضي. فعلى سبيل المثال، إن قيام هجوم إرهابي لن يحرض بالضرورة توجيه ضربات محدودة تقتصر على معسكرات التدريب الإرهابية، كما أن الإستفزازات في البحر ربما لا تعرض للخطر المراكب التي شاركت في تلك الأنشطة وحدها. وسيؤدي ذلك إلى تشكك القادة الصقور في طهران حول ما إذا كان باستطاعتهم إدارة الخطر المرتبط بالمواجهة بصورة فعالة، وبذلك يزداد الردع الأمريكي مقارنة بإيران.
وأخيراً، من المهم فهم الكيفية التي ستقرأ بموجبها طهران الأحداث التي تقع في أي مكان آخر في العالم. فعلى سبيل المثال، ستراقب إيران الكيفية التي ستعالج فيها الولايات المتحدة الأزمة المستمرة التي سبَّبها إغراق السفينة الحربية الكورية الجنوبية مؤخراً -- على ما يبدو من قبل غواصة تابعة لكوريا الشمالية. ويمكن للتوترات المستمرة في شبه الجزيرة الكورية أن تخلق انطباعاً في طهران بأن الجيش الأمريكي مشتت في أرجاء كثيرة مما يحد من رده بفعالية على أية أزمة في الخليج، في حين أن الفشل في مواصلة الضغط على كوريا الشمالية قد يقنع إيران بأن بإمكانها أن تدخل في عملية تصعيد مع الولايات المتحدة تؤدي إلى دفع الوضع إلى حافة الهاوية.
وفي ضوء هذه المخاوف، وما تتضمنه من أخطار سيكون من الحكمة اتخاذ إجراءات احتراسية لتفادي المواجهة مع طهران التي يمكن أن توفر ذريعة للقيام بحملة قمع ضد المعارضة الديمقراطية في إيران، التي ستزيد من تعقيد الدبلوماسية النووية المستمرة، وربما تؤدي إلى المزيد من التصعيد.
لقد جاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى السلطة ملتزماً بخفض التوترات مع إيران، وتغيير العلاقة المتأزمة بين الدولتين عن طريق بسط الأيادي وإجراء حوار مفتوح مع قادة تلك البلاد. إن هذه بالطبع أهداف تستحق الثناء وتبقى مطروحة على الطاولة. ومع ذلك، فمن المفارقات أنه إذا ما زالت الفرصة متاحة [لنجاح] الدبلوماسية وإذا حقق الرئيس الأمريكي هذه الأهداف، عليه أن يقوم بإقناع طهران بأن يده الممدودة إليها يمكن أن تتحول إلى قبضة. ومع استمرار واشنطن في السعي إلى الحوار، يجب عليها أن تتصرف بحذر وحزم مع الجمهورية الإسلامية لتنجح في إدارة التوترات اليوم، وتجنب مواجهة أكبر في المستقبل.
مايكل آيزنشتات زميل أقدم في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. ديفيد كريست مؤرخ في وزارة الدفاع الأمريكية وزميل زائر سابق في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
مايكل آيزنشتات وديفيد كريست
فورين بوليسي.كوم, 11 آب/أغسطس 2010
امتلأت وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة بتكهنات حول احتمال قيام ضربة وقائية أمريكية أو إسرائيلية ضد البنية التحتية النووية الإيرانية -- بدءاً من تعليق المدير الأسبق لـ "وكالة الإستخبارات المركزية" الأمريكية مايكل هايدن في الشهر الماضي الذي أفاد أن الإنجراف نحو عمل عسكري ضد إيران يبدو "حتمياً" وحتى البيان الأخير لرئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأمريكية الأدميرال مايكل مولن الذي قال فيه أن الجيش الأمريكي أعد خططاً للهجوم على الجمهورية الإسلامية. لكن نظراً للتطورات الأخيرة في إيران فعلى الأقل من المرجح أن تكون طهران المتزايدة في عدائها، هي الطرف الذي سيتخذ الخطوة التي ستشعل شرارة الصراع مع الولايات المتحدة -- سواء بعمل إرهابي، أو بتسهيل هجمات المتمردين في العراق، أو أفغانستان، أو باستفزاز عسكري في الخليج أو في مكان آخر -- إلا إذا تحركت واشنطن بحذر وحزم في آن واحد لتفادي هذا الإحتمال.
وهناك عدد من الأسباب التي قد تؤدي إلى قيام إيران، وليس الولايات المتحدة أو إسرائيل، باتخاذ الخطوة الأولى. فقد أعلن المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس محمود أحمدي نجاد وغيرهما من كبار المسؤولين في مناسبات عديدة عن إيمانهم بأن الولايات المتحدة قوة آخذة في التدهور، وأن النظام الدولي الذي عزز نفوذ الولايات المتحدة آخذ في التداعي، وأن القوة الأمريكية قد وهنت بفعل الحروب الطويلة في أفغانستان والعراق.
وفي خطابه في أيلول/سبتمبر 2008 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أكد أحمدي نجاد أن "الإمبراطورية الأمريكية ... تصل إلى نهاية طريقها". بينما بشر في خطابه لنفس الهيئة بعد ذلك بعام بالزوال القادم لـ "الليبرالية والرأسمالية"، وانتقد بقسوة فشل "الهياكل السياسية والإقتصادية التي نشأت بعد....الحرب العالمية الثانية". ودعا إلى إصلاح الأمم المتحدة، والنظام الإقتصادي الدولي، ونظام العلاقات الدولية برمته. وبالمثل، صرح خامنئي خلال اجتماع مع مشرِّعين إيرانيين في طهران في حزيران/يونيو المنصرم، بأن "الرأسمالية آخذة في الإنهيار"، وأن "تغيرات كبرى تجري فيما يتعلق بمكانة الولايات المتحدة".
وقد شعرت إيران أيضاً بالإطمئنان مجدداً بسبب عزلة إسرائيل المتنامية التي تعتبرها جزءاً من عملية طويلة الأمد تؤدي إلى زوال الدولة اليهودية، وقد تشجعت بفضل تقدمها البطئ ولكن الحثيث في برامج الصواريخ والأسلحة النووية الخاصة بها. وهكذا، فباستشعار قادة إيران بضعف أعدائهم وإدراكهم بأن هناك فرصة سانحة، ربما قد ينغرون بتعجيل عملية "التراجع" هذه من خلال اتخاذهم خطوة تهدف إلى إذلال الولايات المتحدة، وتسليط الضوء على الحدود التي تنحصر فيها القوة الأمريكية.
لقد انزعجت إيران من دور الولايات المتحدة في تمرير أربع جولات من عقوبات الأمم المتحدة، وما تعتبره بأنها يد أمريكية معادية وراء ظهور حركة معارضة ديمقراطية شعبية. ورداً على الجولة الأخيرة من العقوبات، قال رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني أن أية دول "تقوم بتفتيش الشحنات الإيرانية الجوية والبحرية" بحثاً عن أية مواد ممنوعة امتثالاً للعقوبات سوف تكون هدفاً لـ "عمل صارم ضد سفنها في الخليج الفارسي وبحر عمان". إن تحذيره الذي ردده عدد من المسؤوليين العسكريين الكبار ربما يهيئ الأجواء لمواجهة بحرية.
وعلاوة على ذلك، تلوم الجمهورية الإسلامية أيضاً الولايات المتحدة بسبب تفجيرين انتحاريين لمسجد شيعي في 15 تموز/يوليو في مدينة زاهدان، وهو الأخير في سلسلة هجمات شنتها جماعة «جند الله» السنية المتطرفة ومقرها في إقليم سيستان وبلوشستان جنوب شرق إيران. وفي أعقاب هجوم زاهدان حذر أحد كبار مسؤولي «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» العميد مسعود جزايري، من أن الولايات المتحدة ستواجه "عواقب" غير محددة بسبب هذه الحادثة.
ويبدو أن إيران تزيد أيضاً الدعم المقدم لهجمات تمردية ضد القوات الأمريكية المغادرة من العراق، من أجل خلق انطباع بأن الولايات المتحدة قد أُجبرت على الخروج من تلك البلاد. وقد صرح مؤخراً القائد العسكري الأمريكي الأعلى في العراق الجنرال ريموند أوديرنو، أن إيران تقوم بتسليح وتدريب ثلاث جماعات عراقية -- وهي «عصائب أهل الحق»، و «لواء اليوم الموعود» لمقتدى الصدر، و «كتائب حزب الله» -- وحذر من أن «كتائب حزب الله» كانت تخطط، بمساعدة مستشارين إيرانيين في العراق، لزيادة الهجمات على القوات الأمريكية. وبالفعل، من المرجح أن تكون إحدى هذه الجماعات قد وقفت وراء الهجوم الصاروخي الذي وقع قبل ثلاثة أسابيع وأسفر عن مقتل ثلاثة من حراس الأمن العاملين لدى السفارة الأمريكية في بغداد.
لقد خلقت التغييرات النسبية الأخيرة في [تعيين] الأفراد التي جرت في هيكل قيادة الجيش الإيراني مخاوف إضافية حول النوايا الإيرانية. فقد كان وزير الدفاع الجديد في حكومة أحمدي نجاد العميد أحمد وحيدي قد قضى خدمته في «قوة القدس» وهي فرع من «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» الضالع في الإرهاب وفي تصدير الثورة الإسلامية. وقد تورط شخصياً في تفجير «أبراج الخبر» في المملكة العربية السعودية عام 1996 مما أسفر عن مقتل 19 جندياً أمريكياً، فضلاً عن غيرها من أعمال الإرهاب. كما أن القائد المعين حديثاً لبحرية «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» وهو نائب الأدميرال علي فدوي كان قد قاد القوات البحرية لـ «الفيلق» في الخليج الفارسي قرب نهاية الحرب بين إيران والعراق عندما أصيبت تلك القوات بضربات مدممة من قبل البحرية الأمريكية. وقد اشتهر بأنه متشدد مدفوع بالرغبة في الإنتقام من ذلك الإذلال والإسقاط غير المتعمد لطائرة ركاب إيرانية من قبل الجيش الأمريكي عام 1988. وكلاهما كانا من بين جوقة من الأصوات التي حذرت القوات الأجنبية من الصعود على متن السفن الإيرانية وتفتيشها بموجب عقوبات الأمم المتحدة الأخيرة.
وبينما قد يكون بعض قادة إيران راضين من الإستمرار في المسار الحالي التي تتبعه البلاد، وهو السعي لانعتاق نووي بطيء الحركة وإذكاء التوترات الإسرائيلية العربية في غزة أو لبنان، ربما يرحب البعض، لأسباب سياسية داخلية، بوقوع صراع محدود مع الولايات المتحدة. ويمكن أن يتخذ ذلك شكل صدام مع القوات البحرية الأمريكية في «الخليج»، أو عمل يستوجب القيام بضربات جوية أمريكية انتقامية مع الإحتفاظ في الوقت نفسه على [سلامة] البنية التحتية الإقتصادية لإيران وعلى قواتها المسلحة. وربما تأمل القيادة الإيرانية أن يؤدي مثل هذا الصدام إلى صرف الأنظار عن الصعوبات الإقتصادية التي سببتها العقوبات، ويقدم ذريعة لإتخاذ إجراءات صارمة وقاسية ضد المعارضة المحلية، ويوحد السكان المنقسمين وراء نظام محاصر بالإنتقادات ولا يحظى بشعبية. ولهذه الأسباب، تخدم الدبلوماسية حالياً المصالح الأمريكية، في حين أن صراعاً محدوداً، ربما قد يخدم مصالح بعض كبار صناع السياسة في الجمهورية الإسلامية.
إن جميع هذه العوامل، بالإضافة إلى الطبيعة الإنعزالية للقيادة الإيرانية، والتي تبدو أحياناً أنها تصدق دعايتها حول تراجع الولايات المتحدة من جهة والقوة الإيرانية المتنامية من جهة أخرى، يمكن أن تسبب إساءة طهران لحساباتها أو خطئها، ربما برعاية عمل إرهابي، أو استثارة القوات الأمريكية في الخليج الفارسي -- كما فعلت القوارب الإيرانية الصغيرة في الماضي -- أو بتكثيف الدعم للجماعات المتمردة في العراق وأفغانستان.
ينبغي على الولايات المتحدة أن ترد على هذه الإمكانية العالية للصراع بإشعار طهران أنها مستعدة لهذه الإحتماليات عن طريق إرسال إشارات لا لبس فيها وبصورة هادئة إلى إيران من خلال القنوات الدبلوماسية والعسكرية ووسائل الإعلام. إن ذلك سوف يعطي طهران سبباً للتردد، لأن هجوم سري ضد عدو يقظ هو أقل احتمالاً للنجاح، وأكثر رجحاً لاقتفاء أثره إلى المصدر الذي جاء منه. وفي الحقيقة، تعتبر تحذيرات الجنرال أوديرنو الأخيرة بأن الجماعات التي ترعاها إيران كانت تخطط للقيام بهجمات في العراق خطوة أولى جيدة في هذا الصدد.
يجب على الولايات المتحدة أيضاً أن تشير بأنها مستعدة للرد بحزم على أية استفزازات إيرانية مستقبلية. فقدرة واشنطن على ردع الأفعال العدوانية الإيرانية قد تم تقويضها بقيام سجل من عدم الرد أو الرد بصورة مترددة على الهجمات الإرهابية التي رعتها إيران في الماضي مثل تفجير ثكنات مشاة البحرية الأمريكية في لبنان عام 1983، وتفجيرات «أبراج الخبر» عام 1996. وقد تجنبت الولايات المتحدة أيضاً الرد على الإستفزازات الإيرانية مثل الهجمات الوهمية والتظاهر بزرع الألغام في الخليج الفارسي. وفي الماضي ربما كان لضبط النفس مزية تجنب المزيد من التصعيد، ومع ذلك، ونظراً للتوجه الحالي للقادة الرئيسيين في طهران، فعلى الأرجح سيتم تفسير ضبط النفس بأنه ضعف، ولن يزيد المتشددين إلا جرأة وقوة، وسيؤدي إلى المزيد من التحديات.
ينبغي على واشنطن أيضاً أن تبلغ طهران أنها لن ترد بالضرورة بطريقة مشابهة أو تناسبية على الإستفزازات الإيرانية كما فعلت عندما حاولت احتواء التمرد العراقي خلال التسعينات من القرن الماضي. فعلى سبيل المثال، إن قيام هجوم إرهابي لن يحرض بالضرورة توجيه ضربات محدودة تقتصر على معسكرات التدريب الإرهابية، كما أن الإستفزازات في البحر ربما لا تعرض للخطر المراكب التي شاركت في تلك الأنشطة وحدها. وسيؤدي ذلك إلى تشكك القادة الصقور في طهران حول ما إذا كان باستطاعتهم إدارة الخطر المرتبط بالمواجهة بصورة فعالة، وبذلك يزداد الردع الأمريكي مقارنة بإيران.
وأخيراً، من المهم فهم الكيفية التي ستقرأ بموجبها طهران الأحداث التي تقع في أي مكان آخر في العالم. فعلى سبيل المثال، ستراقب إيران الكيفية التي ستعالج فيها الولايات المتحدة الأزمة المستمرة التي سبَّبها إغراق السفينة الحربية الكورية الجنوبية مؤخراً -- على ما يبدو من قبل غواصة تابعة لكوريا الشمالية. ويمكن للتوترات المستمرة في شبه الجزيرة الكورية أن تخلق انطباعاً في طهران بأن الجيش الأمريكي مشتت في أرجاء كثيرة مما يحد من رده بفعالية على أية أزمة في الخليج، في حين أن الفشل في مواصلة الضغط على كوريا الشمالية قد يقنع إيران بأن بإمكانها أن تدخل في عملية تصعيد مع الولايات المتحدة تؤدي إلى دفع الوضع إلى حافة الهاوية.
وفي ضوء هذه المخاوف، وما تتضمنه من أخطار سيكون من الحكمة اتخاذ إجراءات احتراسية لتفادي المواجهة مع طهران التي يمكن أن توفر ذريعة للقيام بحملة قمع ضد المعارضة الديمقراطية في إيران، التي ستزيد من تعقيد الدبلوماسية النووية المستمرة، وربما تؤدي إلى المزيد من التصعيد.
لقد جاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى السلطة ملتزماً بخفض التوترات مع إيران، وتغيير العلاقة المتأزمة بين الدولتين عن طريق بسط الأيادي وإجراء حوار مفتوح مع قادة تلك البلاد. إن هذه بالطبع أهداف تستحق الثناء وتبقى مطروحة على الطاولة. ومع ذلك، فمن المفارقات أنه إذا ما زالت الفرصة متاحة [لنجاح] الدبلوماسية وإذا حقق الرئيس الأمريكي هذه الأهداف، عليه أن يقوم بإقناع طهران بأن يده الممدودة إليها يمكن أن تتحول إلى قبضة. ومع استمرار واشنطن في السعي إلى الحوار، يجب عليها أن تتصرف بحذر وحزم مع الجمهورية الإسلامية لتنجح في إدارة التوترات اليوم، وتجنب مواجهة أكبر في المستقبل.
مايكل آيزنشتات زميل أقدم في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. ديفيد كريست مؤرخ في وزارة الدفاع الأمريكية وزميل زائر سابق في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
الإثنين أغسطس 15, 2011 4:07 pm من طرف Gulf Knight
» الوصول إلى أي مكان في العالم خلال أقل من ساعة هدف أميركي قد يتحقق اليوم
الإثنين أغسطس 15, 2011 4:02 pm من طرف Gulf Knight
» إسرائيل تبحث شراء وسائل قتالية أميركية مستعملة فى العراق
الإثنين أغسطس 15, 2011 4:00 pm من طرف Gulf Knight
» كتيبة بنيامين تجدد التأكيد على جهوزية الجيش الإسرائيلي لمواجهات سبتمبر
الإثنين أغسطس 15, 2011 3:59 pm من طرف Gulf Knight
» قبيل الانسحاب: العراق يتسلّم 22 مروحية مي-17 محدّثة من شركة ARINC الأميركية
الخميس أغسطس 11, 2011 6:30 pm من طرف Gulf Knight
» أفغانستان تتسلم 9 مروحيات "مي-17" من روسيا بحلول نهاية العام
الخميس أغسطس 11, 2011 6:29 pm من طرف Gulf Knight
» مناورات جوية لقوات دول الاتحاد السوفياتي السابق لمكافحة الإرهاب
الخميس أغسطس 11, 2011 6:28 pm من طرف Gulf Knight
» روسيا تطوّر نظامي الدفاع الجوي الجديدين: مارفي و فيتياز
الخميس أغسطس 11, 2011 6:27 pm من طرف Gulf Knight
» إختفاء صواريخ مضادة للدروع من معسكر إسرائيلي في الجولان
الخميس أغسطس 11, 2011 6:26 pm من طرف Gulf Knight
» إسرائيل تطور طائرة جديدة دون طيار
الخميس أغسطس 11, 2011 6:25 pm من طرف Gulf Knight
» إسقاط مروحية تشينوك في أفغانستان يودي بحياة 31 جندياً أميركياً و7 جنود أفغان
الخميس أغسطس 11, 2011 6:23 pm من طرف Gulf Knight
» دبابات الجيش السوري تقتحم مدينتي سراقب وقصير
الخميس أغسطس 11, 2011 6:22 pm من طرف Gulf Knight
» أحزاب الشيطان من طهران إلى العراق ولبنان
الخميس أغسطس 11, 2011 6:20 pm من طرف Gulf Knight
» سوريا وتركيا.. لقاء الوداع؟
الخميس أغسطس 11, 2011 6:19 pm من طرف Gulf Knight
» سوريا: تصورات نهاية النظام
الخميس أغسطس 11, 2011 6:19 pm من طرف Gulf Knight