التسلح
التسلح armament يعني أن تزوّد الدولة أو الجماعة قواتها المسلحة أو أفرادها بالأسلحة والذخائر والمعدات القتالية. وتعد الدولة أول مزود لقواتها بتلك المواد سواء بصنعها وتطويرها أو شرائها، أو بالطريقتين معاً، ويكون ذلك وفق خطط مدروسة تضعها الدولة. يشمل مفهوم التسلح مختلف أنواع العتاد القتالي من أسلحة وذخائر ومعدات ووسائل توجيه واتصال وقيادة، وكذلك وسائل نقلها وحفظها وصيانتها.
لمحة تاريخية
تدل الحقائق التاريخية على أن النصر في أي صراع مسلح مرهون أساساً بنوعية الأسلحة والمعدات الحربية التي يملكها المتحاربون ومهارتهم في استخدامها إلى جانب التخطيط وحسن الإدارة، وكلما كانت الأسلحة والذخائر والمعدات أقرب إلى الكمال، وفقاً لمفاهيم العصر الذي تستخدم فيه كان النجاح في إدارة المعركة وتحقيق النصر أقرب إلى التحقق. حتى إن بعض المؤرخين ربط وقائع التاريخ العسكري بتاريخ التسلح نفسه، متجاوزين العناصر الأخرى التي تؤلف أسباب النصر أو الهزيمة.
والتسلح متغير يرتبط بالعلم والتقانة والاقتصاد، وقد جرت العادة على أن يحسب الكمون الحربي للدولة على أساس ما يمكن أن تزود به قواتها من أسلحة وما توفره لمجتمعها من قدرات حربية. غير أنه لا بد من تأكيد أن التسلح يشترك مع غيره من العوامل المادية والمعنوية في صوغ معايير قدرة الدولة على خوض الصراع المسلح.
العلاقة بين التسلح والأمن الوطني
لم يعد حجم الدولة (السكان والمساحة) ولا ثرواتها القومية (الدخل القومي الإجمالي) كافيين لتحقيق ما اصطلح عليه بالأمن الوطني، إذ لا بد لأمن الدولة من قوة عسكرية تحميه وتذود عنه. وهذا ما يرسخ العلاقة بين التسلح والأمن الوطني، ولا يمكن توفير الأمن وصيانة رفاهية المجتمع إلا بوجود قوة عسكرية منظمة ومسلحة تسليحاً مناسباً تتولى شؤون الدفاع عن مصالح الشعب والوطن والدولة.
وبرهنت الوقائع التاريخية أن الأمن الوطني مرهون بحجم القوات المسلحة ونوعية تسلحها ومستوى إعدادها، وأن الغايات السياسية لأي صراع مسلح هي التي تحدد مهام تلك القوات، وبقدر ما تملكه الدولة من وسائل تسلح حديثة مكافئة لما في حوزة أعدائها المحتملين تتمكّن من تحقيق غاياتها السياسية وإحراز النصر سلماً أو حرباً. وعلى هذا الأساس تسعى الدول عادة إلى تطوير تسلحها وتحسينه وتحديثه باستمرار من أجل توفير القاعدة المادية المناسبة لقواتها التي تمكّنها من القيام بواجب الدفاع عن مصالحها بنجاح، وترصد الدولة لهذه الغاية قدراً غير يسير من إمكاناتها العلمية والتقنية والاقتصادية.
ومما لا شك فيه أن اضطرار الدولة إلى استيراد بعض احتياجاتها من التسلح يرهق ميزانيتها العامة ويتركها رهن إرادة الدولة المصدرة أو تجار السلاح وما يتوافر لديهم من العتاد الحربي المطلوب، وهو ما يؤثر في استقلالية القرار الوطني في مجال الدفاع ويفرض على الدولة أنواعاً من الأسلحة قد لا تتفق مع متطلباتها. ولهذا يتجه معظم الدول إلى التخفيف من تلك التبعية بإنتاج بعض ما يلزمها من أسلحة وذخائر ومعدات ولو زادت تكاليفه عما هو متوافر في سوق السلاح. غير أن كثيراً من الدول، ولاسيما الدول النامية، قد لا تملك من الإمكانات العلمية والصناعية والتقنية والمالية ما يؤهلها لصنع كل ما يلزمها من العتاد الحربي، إضافة إلى أن تنوع صناعة السلاح و المستوى التقني العالي لهذه الصناعة في العصر الحاضر يجعل مسألة استيراد السلاح حتمية لكل دولة ترغب في أن تحوز قواتها أحدث الأسلحة والمعدات.
العلاقة بين التسلح والسياسة والاقتصاد
إن الصمود في الحرب، كما تثبت دروس التاريخ، يكون إلى جانب الطرف الذي يملك كموناً اقتصادياً قادراً على حل مشكلات التسلح وتمويل متطلبات الدفاع. وقد ثبت أن تطوير الأسلحة وتحديثها وإنتاج أنواع جديدة منها يتطلب نفقات كبيرة قد لا تستطيع توفيرها إلا الدول التي تملك قاعدة اقتصادية وعلمية وتقنية راسخة. وكل صراع مسلح أو محاولة تحقيق توازن في ذلك الصراع، في ظل التطور العلمي والتقني في العصر الحاضر، هو عمل متكامل شامل تشارك فيه الدولة بجميع قدراتها، وخاصة قدراتها السياسية والاقتصادية والعسكرية. ويأتي التسلح في مقدمة القدرات العسكرية ويعتمد اعتماداً وثيقاً على القدرة الاقتصادية للدولة وعلى سياستها الخارجية. وبالمقابل فإن مصالح الدولة وسياستها تعتمد اعتماداً كبيراً على مكانتها بين الدول وعلى قدرتها على حماية مصالحها اقتصادياً وعسكرياً. وهذا ما يعطي التسلح مكانته الأساسية بين عناصر القدرة العسكرية الأخرى، ويمنحه تلك الأهمية في حماية مصالح الدولة مهما بلغ حجم الإنفاق على التسلح من مجمل الناتج القومي. ولا تقاس تلك القدرة بكميات ما تملكه الدولة من أسلحة وعتاد فقط، بل بما يمكن أن تنتجه منها أيضاً عند الضرورة.
وتسعى السياسة الخارجية للدولة عموماً إلى تحقيق هدفين رئيسيين هما: حماية الأمن الوطني وتعزيز رفاهية المجتمع. ولا يمكن للسياسة أن تحقق مثل هذه الأهداف إلا إذا امتلكت من القدرة العسكرية والتسلح ما تدعم به أهدافها، و حين تتعثر تلك السياسة قد تضطر الدولة إلى اللجوء إلى استخدام كمونها الحربي والتهديد باستخدام القوة أو استخدامها فعلاً، ومن هنا كان منطلق المقولة المشهورة «الحرب امتداد للسياسة ولكن بوسائل أخرى». و تتحول القدرة العسكرية الكامنة آنئذ إلى وسيلة لتحقيق أهداف السياسة وحماية المصالح والحدود. وبذلك تؤلف القدرات السياسية والاقتصادية والعسكرية، بتآزرها وتداخلها وتكاملها، الكمون الحربي للدولة.
الكمون الحربي ودوره في التسلح
يقصد بالكمون الحربي قدرة جميع أجهزة الدولة على الفعل والاستطاعة في مجال الدفاع، ولا يقتصر الأمر على ما تملكه الدولة من قدرات مادية فقط، بل يتعداها إلى ما يملكه شعبها من قدرات معنوية تتمثل في إرادة الصمود وقوة العزيمة والتضامن إضافة إلى التراث التاريخي والحضاري وغير ذلك. وبذلك فإن الكمون الحربي يتألف من قدرات مادية ملموسة وقدرات معنوية غير ملموسة تظهر وقت الشدة والأزمة، ويعبر عنه بمظهر القوة الشاملة للدولة والمجتمع براً وبحراً وجواً وفي الفضاء، ويحتل مكانة مهمة في بحوث العلوم الاجتماعية والاقتصادية، ويؤدي دوراً مهماً في عملية التسلح.
وينتج عن الكمون الحربي في المحصلة قدرة عسكرية كامنة تستند إلى الوقائع العلمية والاقتصادية والتقنية والمعنوية التي يملكها المجتمع، وهي وحدة عضوية متكاملة لا يمكن أن تقوم بدورها على النحو المطلوب إلا بالتكافل والتضامن الوثيق فيما بينها. ويؤلف الاقتصاد القاعدة المادية المحورية التي يعتمد عليها الكمون الحربي، ويوفر له إمكانات التسلح وتحديثه وتطويره، ويمكّن الدولة من إنشاء قوات مسلحة برية وبحرية وجوية وفضائية قادرة على الدفاع عن مصالحها وأمن مواطنيها فوق أراضيها وفي مياهها الإقليمية وفي أجوائها.
العلاقة بين العلم والتقانة والتسلح
يرتبط التسلح وتطوره في دولة ما، ارتباطاً جذرياً بالمستوى العلمي والتقني الذي بلغته تلك الدولة. ويمكن القول إن التسلح كان وما يزال الميدان الأوسع لتقدم العلم والتقانة، ذلك لأن الحروب كانت الاختبار الأمثل لما توصل إليه العلم والتقانة من اختراعات، ولأنها كانت وما تزال الحافز الأكبر لتطوير ما هو موجود وإيجاد ما هو أفضل لتحقيق النصر، وهو ما تسعى إليه الحكومات والمؤسسات والشركات الصناعية والتجارية ومراكز البحوث والمختبرات عامة. وتعد صناعة الأسلحة والمعدات الحربية من أكثر المنتجات الصناعية رواجاً، ومن أولويات اهتمام الدول المتقدمة علمياً وتقنياً سواء لتحسين شؤون دفاعها أو لنشر منتجاتها وتصديرها لتحقيق مكاسب مادية أو غايات سياسية.
وقد كان للثورة العلمية والتقنية أكبر الأثر في تطوير أنواع كثيرة من الأسلحة والذخائر، وفي تطوير مفاهيم التسلح. فاستطاع الإنسان غزو الفضاء واستخدمه في أغراضه العسكرية، حتى غدا ميداناً جديداً في الصراع المسلح. وفي مقدمة ما استجد في عالم التسلح إيجاد وسائل حديثة للتدخل في الصراع من بُعد والإقلال ما أمكن من حجم الخسائر البشرية بين العسكريين والمدنيين على حد سواء.
يشمل إنتاج الأسلحة وتطويرها عناصر كثيرة، ومن المسلم به أن يتناسب التسلح مع معظم تلك العناصر، وأن يساير في الوقت نفسه التطور العلمي والتقني في العالم أو، على الأقل، المستوى الذي بلغه العدو المحتمل. وبلغ تسارع ذلك التطور حداً غدا من الصعوبة بمكان اللحاق به لدى كثير من البلدان، وخاصة في مجال الدفاع والتسلح. وقد أدركت منظمة الأمم المتحدة وبعض الدول المعتدلة مخاطر هذا الوضع فسعت إلى فرض قيود صارمة على التسلح كماً ونوعاً، والتخفيف من حدة سباق التسلح وحظر تجارة الأسلحة أو تقييدها في حدود معينة، وسعت في الوقت نفسه إلى محاولة حل النزاعات الدولية والإقليمية والثنائية سلماً.
إن التسلح والتسلح المضاد، أو ما يعرف بسباق التسلح، مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بمستويات العلم والتقانة ومتأثران بها، غير أنه من المؤكد أن العلم والتقانة وحدهما لا يستطيعان حل مشاكل الحرب والتسلح، ولابد من مراعاة مبادئ الحرب الأخرى والسياسة والتنسيق بين المذاهب العسكرية وسياسة التسلح من أجل ضمان التفوق ومنع نشوب الحرب أو تحقيق النصر في حال نشوبها. ومعنى هذا أن يتماشى التنظيم العسكري والمذهب العسكري مع مستوى التطور العلمي والتقانة في التسليح. ولا يقتصر ذلك على علم أو تقانة محددين، بل يشمل مجالات واسعة من العلوم ولاسيما تلك التي لها تطبيقات تقنية، وفي مقدمتها الأتمتة والمعلوماتية. وكل تطور في هذا المجال يقابله بالضرورة تطوير مضاد مماثل أو مكمل.
التسلح في العصر الحاضر
التسلح، كما هو معلوم، متغير لا ثابت، وبسبب التطوير والاستهلاك الكبيرين في الأسلحة والذخائر والمعدات الحربية، وما يستجد منها في ميادين القتال وتقادم العهد على ما هو موجود منها، يغدو من الضرورة بمكان الحرص على مقابلة ما يملكه الخصم بسلاح مضاد مماثل أو متفوق. وقد فرض هذا الواقع مبادئ جديدة لتطوير التسلح بالاستناد إلى أحدث منجزات العلم والتقانة. ويأتي في مقدمة هذه المبادئ: المعلوماتية، والاتصالات، والتدخل (الاشتباك) من بُعد، والأتمتة، والمكننة، واستخدام الفضاء.
ويراعى في خطط التسلح التنوع في مختلف المجالات، وخاصة في مجالي المعلوماتية والاتصالات. وهما من المجالات الأساسية التي يرتبط بها النصر أو الهزيمة في الوقت الراهن، بعد أن تراجعت أهمية الاحتكاك والتماس المباشر وخطوط الدفاع والمجنبات والخرق والالتفاف والتطويق وغيرها.وصار الهدف الأسمى هو تحقيق النصر من دون الاضطرار إلى خوض المعركة، أي إبتكار مذهب عسكري جديد لحرب لا تفتك بالقوة البشرية بل تشلها أو تمنعها من ممارسة المقاومة بأقل الخسائر. ويعني ذلك أن التغيرات في مفهوم التسلح تتجاوز مفهوم التطوير أو التحديث إلى مستوى تتحقق معه إبداعات جديدة في النوع والوسيلة والغاية تتماشى هذه المتطلبات إلى درجة الاندماج بين العلم والتقانة الصناعية والعسكرية.
هيثم الكيلاني
التسلح armament يعني أن تزوّد الدولة أو الجماعة قواتها المسلحة أو أفرادها بالأسلحة والذخائر والمعدات القتالية. وتعد الدولة أول مزود لقواتها بتلك المواد سواء بصنعها وتطويرها أو شرائها، أو بالطريقتين معاً، ويكون ذلك وفق خطط مدروسة تضعها الدولة. يشمل مفهوم التسلح مختلف أنواع العتاد القتالي من أسلحة وذخائر ومعدات ووسائل توجيه واتصال وقيادة، وكذلك وسائل نقلها وحفظها وصيانتها.
لمحة تاريخية
تدل الحقائق التاريخية على أن النصر في أي صراع مسلح مرهون أساساً بنوعية الأسلحة والمعدات الحربية التي يملكها المتحاربون ومهارتهم في استخدامها إلى جانب التخطيط وحسن الإدارة، وكلما كانت الأسلحة والذخائر والمعدات أقرب إلى الكمال، وفقاً لمفاهيم العصر الذي تستخدم فيه كان النجاح في إدارة المعركة وتحقيق النصر أقرب إلى التحقق. حتى إن بعض المؤرخين ربط وقائع التاريخ العسكري بتاريخ التسلح نفسه، متجاوزين العناصر الأخرى التي تؤلف أسباب النصر أو الهزيمة.
والتسلح متغير يرتبط بالعلم والتقانة والاقتصاد، وقد جرت العادة على أن يحسب الكمون الحربي للدولة على أساس ما يمكن أن تزود به قواتها من أسلحة وما توفره لمجتمعها من قدرات حربية. غير أنه لا بد من تأكيد أن التسلح يشترك مع غيره من العوامل المادية والمعنوية في صوغ معايير قدرة الدولة على خوض الصراع المسلح.
العلاقة بين التسلح والأمن الوطني
لم يعد حجم الدولة (السكان والمساحة) ولا ثرواتها القومية (الدخل القومي الإجمالي) كافيين لتحقيق ما اصطلح عليه بالأمن الوطني، إذ لا بد لأمن الدولة من قوة عسكرية تحميه وتذود عنه. وهذا ما يرسخ العلاقة بين التسلح والأمن الوطني، ولا يمكن توفير الأمن وصيانة رفاهية المجتمع إلا بوجود قوة عسكرية منظمة ومسلحة تسليحاً مناسباً تتولى شؤون الدفاع عن مصالح الشعب والوطن والدولة.
وبرهنت الوقائع التاريخية أن الأمن الوطني مرهون بحجم القوات المسلحة ونوعية تسلحها ومستوى إعدادها، وأن الغايات السياسية لأي صراع مسلح هي التي تحدد مهام تلك القوات، وبقدر ما تملكه الدولة من وسائل تسلح حديثة مكافئة لما في حوزة أعدائها المحتملين تتمكّن من تحقيق غاياتها السياسية وإحراز النصر سلماً أو حرباً. وعلى هذا الأساس تسعى الدول عادة إلى تطوير تسلحها وتحسينه وتحديثه باستمرار من أجل توفير القاعدة المادية المناسبة لقواتها التي تمكّنها من القيام بواجب الدفاع عن مصالحها بنجاح، وترصد الدولة لهذه الغاية قدراً غير يسير من إمكاناتها العلمية والتقنية والاقتصادية.
ومما لا شك فيه أن اضطرار الدولة إلى استيراد بعض احتياجاتها من التسلح يرهق ميزانيتها العامة ويتركها رهن إرادة الدولة المصدرة أو تجار السلاح وما يتوافر لديهم من العتاد الحربي المطلوب، وهو ما يؤثر في استقلالية القرار الوطني في مجال الدفاع ويفرض على الدولة أنواعاً من الأسلحة قد لا تتفق مع متطلباتها. ولهذا يتجه معظم الدول إلى التخفيف من تلك التبعية بإنتاج بعض ما يلزمها من أسلحة وذخائر ومعدات ولو زادت تكاليفه عما هو متوافر في سوق السلاح. غير أن كثيراً من الدول، ولاسيما الدول النامية، قد لا تملك من الإمكانات العلمية والصناعية والتقنية والمالية ما يؤهلها لصنع كل ما يلزمها من العتاد الحربي، إضافة إلى أن تنوع صناعة السلاح و المستوى التقني العالي لهذه الصناعة في العصر الحاضر يجعل مسألة استيراد السلاح حتمية لكل دولة ترغب في أن تحوز قواتها أحدث الأسلحة والمعدات.
العلاقة بين التسلح والسياسة والاقتصاد
إن الصمود في الحرب، كما تثبت دروس التاريخ، يكون إلى جانب الطرف الذي يملك كموناً اقتصادياً قادراً على حل مشكلات التسلح وتمويل متطلبات الدفاع. وقد ثبت أن تطوير الأسلحة وتحديثها وإنتاج أنواع جديدة منها يتطلب نفقات كبيرة قد لا تستطيع توفيرها إلا الدول التي تملك قاعدة اقتصادية وعلمية وتقنية راسخة. وكل صراع مسلح أو محاولة تحقيق توازن في ذلك الصراع، في ظل التطور العلمي والتقني في العصر الحاضر، هو عمل متكامل شامل تشارك فيه الدولة بجميع قدراتها، وخاصة قدراتها السياسية والاقتصادية والعسكرية. ويأتي التسلح في مقدمة القدرات العسكرية ويعتمد اعتماداً وثيقاً على القدرة الاقتصادية للدولة وعلى سياستها الخارجية. وبالمقابل فإن مصالح الدولة وسياستها تعتمد اعتماداً كبيراً على مكانتها بين الدول وعلى قدرتها على حماية مصالحها اقتصادياً وعسكرياً. وهذا ما يعطي التسلح مكانته الأساسية بين عناصر القدرة العسكرية الأخرى، ويمنحه تلك الأهمية في حماية مصالح الدولة مهما بلغ حجم الإنفاق على التسلح من مجمل الناتج القومي. ولا تقاس تلك القدرة بكميات ما تملكه الدولة من أسلحة وعتاد فقط، بل بما يمكن أن تنتجه منها أيضاً عند الضرورة.
وتسعى السياسة الخارجية للدولة عموماً إلى تحقيق هدفين رئيسيين هما: حماية الأمن الوطني وتعزيز رفاهية المجتمع. ولا يمكن للسياسة أن تحقق مثل هذه الأهداف إلا إذا امتلكت من القدرة العسكرية والتسلح ما تدعم به أهدافها، و حين تتعثر تلك السياسة قد تضطر الدولة إلى اللجوء إلى استخدام كمونها الحربي والتهديد باستخدام القوة أو استخدامها فعلاً، ومن هنا كان منطلق المقولة المشهورة «الحرب امتداد للسياسة ولكن بوسائل أخرى». و تتحول القدرة العسكرية الكامنة آنئذ إلى وسيلة لتحقيق أهداف السياسة وحماية المصالح والحدود. وبذلك تؤلف القدرات السياسية والاقتصادية والعسكرية، بتآزرها وتداخلها وتكاملها، الكمون الحربي للدولة.
الكمون الحربي ودوره في التسلح
يقصد بالكمون الحربي قدرة جميع أجهزة الدولة على الفعل والاستطاعة في مجال الدفاع، ولا يقتصر الأمر على ما تملكه الدولة من قدرات مادية فقط، بل يتعداها إلى ما يملكه شعبها من قدرات معنوية تتمثل في إرادة الصمود وقوة العزيمة والتضامن إضافة إلى التراث التاريخي والحضاري وغير ذلك. وبذلك فإن الكمون الحربي يتألف من قدرات مادية ملموسة وقدرات معنوية غير ملموسة تظهر وقت الشدة والأزمة، ويعبر عنه بمظهر القوة الشاملة للدولة والمجتمع براً وبحراً وجواً وفي الفضاء، ويحتل مكانة مهمة في بحوث العلوم الاجتماعية والاقتصادية، ويؤدي دوراً مهماً في عملية التسلح.
وينتج عن الكمون الحربي في المحصلة قدرة عسكرية كامنة تستند إلى الوقائع العلمية والاقتصادية والتقنية والمعنوية التي يملكها المجتمع، وهي وحدة عضوية متكاملة لا يمكن أن تقوم بدورها على النحو المطلوب إلا بالتكافل والتضامن الوثيق فيما بينها. ويؤلف الاقتصاد القاعدة المادية المحورية التي يعتمد عليها الكمون الحربي، ويوفر له إمكانات التسلح وتحديثه وتطويره، ويمكّن الدولة من إنشاء قوات مسلحة برية وبحرية وجوية وفضائية قادرة على الدفاع عن مصالحها وأمن مواطنيها فوق أراضيها وفي مياهها الإقليمية وفي أجوائها.
العلاقة بين العلم والتقانة والتسلح
يرتبط التسلح وتطوره في دولة ما، ارتباطاً جذرياً بالمستوى العلمي والتقني الذي بلغته تلك الدولة. ويمكن القول إن التسلح كان وما يزال الميدان الأوسع لتقدم العلم والتقانة، ذلك لأن الحروب كانت الاختبار الأمثل لما توصل إليه العلم والتقانة من اختراعات، ولأنها كانت وما تزال الحافز الأكبر لتطوير ما هو موجود وإيجاد ما هو أفضل لتحقيق النصر، وهو ما تسعى إليه الحكومات والمؤسسات والشركات الصناعية والتجارية ومراكز البحوث والمختبرات عامة. وتعد صناعة الأسلحة والمعدات الحربية من أكثر المنتجات الصناعية رواجاً، ومن أولويات اهتمام الدول المتقدمة علمياً وتقنياً سواء لتحسين شؤون دفاعها أو لنشر منتجاتها وتصديرها لتحقيق مكاسب مادية أو غايات سياسية.
وقد كان للثورة العلمية والتقنية أكبر الأثر في تطوير أنواع كثيرة من الأسلحة والذخائر، وفي تطوير مفاهيم التسلح. فاستطاع الإنسان غزو الفضاء واستخدمه في أغراضه العسكرية، حتى غدا ميداناً جديداً في الصراع المسلح. وفي مقدمة ما استجد في عالم التسلح إيجاد وسائل حديثة للتدخل في الصراع من بُعد والإقلال ما أمكن من حجم الخسائر البشرية بين العسكريين والمدنيين على حد سواء.
يشمل إنتاج الأسلحة وتطويرها عناصر كثيرة، ومن المسلم به أن يتناسب التسلح مع معظم تلك العناصر، وأن يساير في الوقت نفسه التطور العلمي والتقني في العالم أو، على الأقل، المستوى الذي بلغه العدو المحتمل. وبلغ تسارع ذلك التطور حداً غدا من الصعوبة بمكان اللحاق به لدى كثير من البلدان، وخاصة في مجال الدفاع والتسلح. وقد أدركت منظمة الأمم المتحدة وبعض الدول المعتدلة مخاطر هذا الوضع فسعت إلى فرض قيود صارمة على التسلح كماً ونوعاً، والتخفيف من حدة سباق التسلح وحظر تجارة الأسلحة أو تقييدها في حدود معينة، وسعت في الوقت نفسه إلى محاولة حل النزاعات الدولية والإقليمية والثنائية سلماً.
إن التسلح والتسلح المضاد، أو ما يعرف بسباق التسلح، مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بمستويات العلم والتقانة ومتأثران بها، غير أنه من المؤكد أن العلم والتقانة وحدهما لا يستطيعان حل مشاكل الحرب والتسلح، ولابد من مراعاة مبادئ الحرب الأخرى والسياسة والتنسيق بين المذاهب العسكرية وسياسة التسلح من أجل ضمان التفوق ومنع نشوب الحرب أو تحقيق النصر في حال نشوبها. ومعنى هذا أن يتماشى التنظيم العسكري والمذهب العسكري مع مستوى التطور العلمي والتقانة في التسليح. ولا يقتصر ذلك على علم أو تقانة محددين، بل يشمل مجالات واسعة من العلوم ولاسيما تلك التي لها تطبيقات تقنية، وفي مقدمتها الأتمتة والمعلوماتية. وكل تطور في هذا المجال يقابله بالضرورة تطوير مضاد مماثل أو مكمل.
التسلح في العصر الحاضر
التسلح، كما هو معلوم، متغير لا ثابت، وبسبب التطوير والاستهلاك الكبيرين في الأسلحة والذخائر والمعدات الحربية، وما يستجد منها في ميادين القتال وتقادم العهد على ما هو موجود منها، يغدو من الضرورة بمكان الحرص على مقابلة ما يملكه الخصم بسلاح مضاد مماثل أو متفوق. وقد فرض هذا الواقع مبادئ جديدة لتطوير التسلح بالاستناد إلى أحدث منجزات العلم والتقانة. ويأتي في مقدمة هذه المبادئ: المعلوماتية، والاتصالات، والتدخل (الاشتباك) من بُعد، والأتمتة، والمكننة، واستخدام الفضاء.
ويراعى في خطط التسلح التنوع في مختلف المجالات، وخاصة في مجالي المعلوماتية والاتصالات. وهما من المجالات الأساسية التي يرتبط بها النصر أو الهزيمة في الوقت الراهن، بعد أن تراجعت أهمية الاحتكاك والتماس المباشر وخطوط الدفاع والمجنبات والخرق والالتفاف والتطويق وغيرها.وصار الهدف الأسمى هو تحقيق النصر من دون الاضطرار إلى خوض المعركة، أي إبتكار مذهب عسكري جديد لحرب لا تفتك بالقوة البشرية بل تشلها أو تمنعها من ممارسة المقاومة بأقل الخسائر. ويعني ذلك أن التغيرات في مفهوم التسلح تتجاوز مفهوم التطوير أو التحديث إلى مستوى تتحقق معه إبداعات جديدة في النوع والوسيلة والغاية تتماشى هذه المتطلبات إلى درجة الاندماج بين العلم والتقانة الصناعية والعسكرية.
هيثم الكيلاني
الإثنين أغسطس 15, 2011 4:07 pm من طرف Gulf Knight
» الوصول إلى أي مكان في العالم خلال أقل من ساعة هدف أميركي قد يتحقق اليوم
الإثنين أغسطس 15, 2011 4:02 pm من طرف Gulf Knight
» إسرائيل تبحث شراء وسائل قتالية أميركية مستعملة فى العراق
الإثنين أغسطس 15, 2011 4:00 pm من طرف Gulf Knight
» كتيبة بنيامين تجدد التأكيد على جهوزية الجيش الإسرائيلي لمواجهات سبتمبر
الإثنين أغسطس 15, 2011 3:59 pm من طرف Gulf Knight
» قبيل الانسحاب: العراق يتسلّم 22 مروحية مي-17 محدّثة من شركة ARINC الأميركية
الخميس أغسطس 11, 2011 6:30 pm من طرف Gulf Knight
» أفغانستان تتسلم 9 مروحيات "مي-17" من روسيا بحلول نهاية العام
الخميس أغسطس 11, 2011 6:29 pm من طرف Gulf Knight
» مناورات جوية لقوات دول الاتحاد السوفياتي السابق لمكافحة الإرهاب
الخميس أغسطس 11, 2011 6:28 pm من طرف Gulf Knight
» روسيا تطوّر نظامي الدفاع الجوي الجديدين: مارفي و فيتياز
الخميس أغسطس 11, 2011 6:27 pm من طرف Gulf Knight
» إختفاء صواريخ مضادة للدروع من معسكر إسرائيلي في الجولان
الخميس أغسطس 11, 2011 6:26 pm من طرف Gulf Knight
» إسرائيل تطور طائرة جديدة دون طيار
الخميس أغسطس 11, 2011 6:25 pm من طرف Gulf Knight
» إسقاط مروحية تشينوك في أفغانستان يودي بحياة 31 جندياً أميركياً و7 جنود أفغان
الخميس أغسطس 11, 2011 6:23 pm من طرف Gulf Knight
» دبابات الجيش السوري تقتحم مدينتي سراقب وقصير
الخميس أغسطس 11, 2011 6:22 pm من طرف Gulf Knight
» أحزاب الشيطان من طهران إلى العراق ولبنان
الخميس أغسطس 11, 2011 6:20 pm من طرف Gulf Knight
» سوريا وتركيا.. لقاء الوداع؟
الخميس أغسطس 11, 2011 6:19 pm من طرف Gulf Knight
» سوريا: تصورات نهاية النظام
الخميس أغسطس 11, 2011 6:19 pm من طرف Gulf Knight