بقلم ياسر سعد
17-4-2011
"نظام الأسد أعجز من أن يقوم بعملية إصلاح جدية، لأنه يجسد الفساد بأبشع صوره، وهو أضعف من أن يتغلب على جماهير أخرجت الخوف من قلبها ورمته إلى صدور جلاديها، فغدت على موعد قريب مع الحرية والكرامة، والتي من أهم عناوينها ومحطاتها اقتلاع جذور نظام فاسد وشروره.."
جاء خطاب الأسد الثاني بعد اندلاع الانتفاضة الشعبية في ظل ظروف فرضت نفسها على الواقع السوري، فالاحتجاجات التي دخلت شهرها الثاني تتوسع جغرافيا وتتزايد بشريا وتتصاعد مطالبيا، فيما يعاني إعلام النظام هزيمة نكراء وفضائح أخلاقية في مواجهة إعلام بديل، يوثق الحدث بالصورة، التي تنتشر عبر الانترنت انتشار النار في الهشيم.
كما يأتي خطاب الأسد بعد خطابه الأول والذي اعتبر بمثابة فضيحة سياسية وأخلاقية، فقد أظهر مجلس الشعب بصورة مثيرة للسخرية والشفقة، فيما استهتر بشار بمشاعر الضحايا من خلال ضحكات وقهقهات متعددة، وتردت مصداقية رموز النظام وهم يبشرون بأخبار سارة من خلال الخطاب، لم تظهر على الإطلاق.
كان متوقعا من الخطاب الثاني أن يختلف في الشكل فقط عن الأول، كالترحم على الشهداء والإقلاع عن التصفيق والهتافات والأجواء الجادة والتخفيف من الضحكات، فيما لن يخرج مضمونا عن الفلسفة الكلامية، التي اشتهر الرجل بها مع عجز فاضح عن اتخاذ أية إصلاحات جدية، لعجز النظام على تحمل تبعات الإصلاح الحقيقي.
اللافت للنظر أن وكالة الأنباء السورية الرسمية لم تنشر نصا حرفيا لكلمة الأسد، بل قامت بتنقيح خطابه وأوردته على شكل مقتطفات، ومع ذلك، فإن الخطاب حفل بتناقضات صارخة وباعترافات ضمنية عن فشل ذريع، بعد استفراد مطلق بالقرار ومنذ عقود.
استهل بشار حديثه بقوله: "وأردت أن نبدأ بأقصى سرعة بعد تشكيل الحكومة فكل يوم يمر هو يوم نستطيع أن نحقق فيه إنجازات كثيرة"، حديث عجيب عن انجازات كثيرة في كل يوم، فيما كانت تحركاته تتسم ببطء شديد في أكثر من عقد له في السلطة.
كما تكلم عن لقاءاته بالفعاليات الشعبية ورأيهم في النقاط التي يعتقدون أنها يجب أن تكون أولويات بالنسبة للحكومة وللدولة بشكل عام، وهذا اعتراف بعبثية مجلس الشعب الذي يفترض أن يشكل أحد أعمدة النظام السياسي. أليس مجلس الشعب المنتخب "ديمقراطيا" هو السبيل الأمثل لمعرفة التطلعات والتوجهات الشعبية؟
ونوه الأسد بضرورة "التعامل مع حاجات المواطنين ضمن الإمكانيات المتوفرة لكي نلبيها.. وعندما نقول حاجة ليس فقط الاقتصاد.. فالاقتصاد هو المشكلة الأكبر والحاجات اليومية المعاشية هي المشكلة الأكبر، لكن المواطن بحاجة إلى خدمات.. بحاجة إلى أمن.. وبحاجة إلى كرامة وكل هذه العناصر مرتبطة ببعضها".
وهنا يعترف بشار بانتهاك كرامة المواطن السوري، مضيفا "الكرامة لا تعني بالضرورة أن يهان الشخص بشكل مباشر من قبل شخص آخر في الدولة أو خارج الدولة، وإنما قد تعني إهمال المواطن.. قد تعني تأخير معاملة له في دائرة.. قد تعني طلب الرشوة منه.. كل هذه إهانات"، وهنا يظهر الرئيس معرفة كاملة بأساليب ابتزاز المواطن، إن كان في الداخل أو عبر السفارات السورية من خلال تعاملها المسيء للمغتربين وابتزازهم.
وحين تتحدث عن قوانين الطوارئ، نوه بـ"حزمة متكاملة من القوانين التي تغطي رفع حالة الطوارئ.. طبعاً ضمن المعايير الدولية المتبعة في كل دول العالم"، ولا أدري ما هي المعايير الدولية والتي يقصدها الأسد أو يؤمن بها؟
بشار لفت من خلال عبارة: "وأنا أعتقد أن رفع حالة الطوارئ بعكس وجهة نظر كثيرين أو البعض الذي يعتقد بأنه سيؤدي إلى خلل في الأمن.. أنا أعتقد بالعكس تماماً، أن رفع حالة الطوارئ سيؤدي إلى تعزيز الأمن في سورية"، إلى أن هناك انقساما في الرأي داخل مؤسسات الحكم، وهو أمر يعطي مصداقية لمن يرى أن بشار لا يملك اتخاذ قرارات أمنية بمفرده!
وعلى الرغم من أن الإصلاحات هي بضاعة بشار المعلنة والمزعومة هذه الأيام، غير أن خطابه حمل تهديدا واضحا، معتمدا على النهج الأمني في التعاطي مع المطالب الجماهيرية بقوله: "طبعاً عندما تصدر هذه الحزمة لا يعود هناك حجة لتنظيم التظاهرات في سورية والمطلوب مباشرة من قبل الأجهزة المعنية وخاصة وزارة الداخلية أن تطبق القوانين بحزم كامل ولا يوجد أي تساهل مع أي عملية تخريب".
أما حديثه عن قانون الأحزاب، فقد كان غريبا، فهو يقول: "طبعاً هذا الموضوع هام جداً وله حساسية خاصة لأنه سيؤثر في مستقبل سورية بشكل جذري.. إما أن يؤدي إلى المزيد من الوحدة الوطنية وإما أن يؤدي إلى تفكك المجتمع"، فهل سمعتم عن دولة في العالم غير "سوريا الأسد" يؤدي فيها قانون الأحزاب إلى تفكك المجتمع؟ المجتمع هنا المقصود فيه النظام، والذي سينهار هو وحزبه مع أول تجربة حزبية حقيقية.
ومع أن بشار كان مستعجلا في بداية الخطاب ومتحدثا عن أهمية الأيام، عاد عند الحديث عن الإصلاح ليحذر من التسرع، قائلا: "يجب أن نستعجل ولكن نريد نتائج تخدم البلد لا نريد أن نتسرع ونأتي بنتائج معاكسة في أي موضوع.. يجب أن يكون أي إصلاح مبنياً على الاستقرار الداخلي وعلى الأمن".
الهاجس الأمني هو شغل النظام السوري والأمن بطبيعة الحال هو أمن النظام، نظام قائم على القهر وبث الخوف في نفوس المواطنين. الطريف أن الأسد تحدث عن فشل المشاريع الزراعية أمام رئيس وزرائه الجديد والذي كان وزير للزراعة، وعن أسباب الفشل الصناعي دون أن يتجرأ للحديث عن عصابات أقربائه، التي تحتكر الأسواق، وتفرض على المواطنين الإتاوات وتقاسمهم أرزاقهم.
أما حديثه عن الفساد، فقد كان مثيرا للسخرية، فلقد جعل بيان أملاك الوزراء هو الفيصل متحدثا عن تجارب الدول الأخرى، قائلا: "نحن بدأنا بتطبيق هذا الموضوع منذ حوالي ثلاث سنوات تقريباً ولكن لم يكن على مستوى وزراء ولم يكن شاملاً.. كان في البداية تجريبياً ولم نستخدم هذه البيانات"، فما جدوى مكافحة الفساد إذا لم يكن شاملا ولم تستخدم فيه بيانات؟ مثل هذا الحديث، والتجغاضي عن رؤوس الفساد الكبيرة، التي يهتف بأسمائها المتظاهرون، يظهر بوضوح عدم جدية النظام في هذا الملف.
العجيب أن يعترف بشار بحجم الفساد في البلد، والذي يحكمه هذا النظام الفاسد، بقوله: "النقطة الثالثة هي الرشوة التي تدفع بشكل يومي بأرقام صغيرة.. ولكنها تنهك المواطن وتسبب الكثير من الغضب"، فالرشوة وباعتراف بشار، من الطقوس اليومية في "سورية الأسد"!
هذه بعض الأمثلة من خطاب لم يحمل شيئا جديدا سوى اعترافات بالفشل الكبير، والحديث المسكون بالهاجس الأمني، وبانتهاك كرامة المواطن، خطاب كرر الكلام الممل عن المؤامرة وعن الحاجات المادية للمواطن، رغم أنها لم تكن من طلبات المتظاهرين، والذي هتفوا للحرية مرارا وتكرارا، ومع ذلك لم يسمعوا صداها أو ذكراها في خطاب رجل شدد على أهمية التواصل مع المواطنين.
نظام الأسد أعجز من أن يقوم بعملية إصلاح جدية، لأنه يجسد الفساد بأبشع صوره، وهو أضعف من أن يتغلب على جماهير أخرجت الخوف من قلبها ورمته إلى صدور جلاديها، فغدت على موعد قريب مع الحرية والكرامة، والتي من أهم عناوينها ومحطاتها اقتلاع جذور نظام فاسد وشروره.
الإثنين أغسطس 15, 2011 4:07 pm من طرف Gulf Knight
» الوصول إلى أي مكان في العالم خلال أقل من ساعة هدف أميركي قد يتحقق اليوم
الإثنين أغسطس 15, 2011 4:02 pm من طرف Gulf Knight
» إسرائيل تبحث شراء وسائل قتالية أميركية مستعملة فى العراق
الإثنين أغسطس 15, 2011 4:00 pm من طرف Gulf Knight
» كتيبة بنيامين تجدد التأكيد على جهوزية الجيش الإسرائيلي لمواجهات سبتمبر
الإثنين أغسطس 15, 2011 3:59 pm من طرف Gulf Knight
» قبيل الانسحاب: العراق يتسلّم 22 مروحية مي-17 محدّثة من شركة ARINC الأميركية
الخميس أغسطس 11, 2011 6:30 pm من طرف Gulf Knight
» أفغانستان تتسلم 9 مروحيات "مي-17" من روسيا بحلول نهاية العام
الخميس أغسطس 11, 2011 6:29 pm من طرف Gulf Knight
» مناورات جوية لقوات دول الاتحاد السوفياتي السابق لمكافحة الإرهاب
الخميس أغسطس 11, 2011 6:28 pm من طرف Gulf Knight
» روسيا تطوّر نظامي الدفاع الجوي الجديدين: مارفي و فيتياز
الخميس أغسطس 11, 2011 6:27 pm من طرف Gulf Knight
» إختفاء صواريخ مضادة للدروع من معسكر إسرائيلي في الجولان
الخميس أغسطس 11, 2011 6:26 pm من طرف Gulf Knight
» إسرائيل تطور طائرة جديدة دون طيار
الخميس أغسطس 11, 2011 6:25 pm من طرف Gulf Knight
» إسقاط مروحية تشينوك في أفغانستان يودي بحياة 31 جندياً أميركياً و7 جنود أفغان
الخميس أغسطس 11, 2011 6:23 pm من طرف Gulf Knight
» دبابات الجيش السوري تقتحم مدينتي سراقب وقصير
الخميس أغسطس 11, 2011 6:22 pm من طرف Gulf Knight
» أحزاب الشيطان من طهران إلى العراق ولبنان
الخميس أغسطس 11, 2011 6:20 pm من طرف Gulf Knight
» سوريا وتركيا.. لقاء الوداع؟
الخميس أغسطس 11, 2011 6:19 pm من طرف Gulf Knight
» سوريا: تصورات نهاية النظام
الخميس أغسطس 11, 2011 6:19 pm من طرف Gulf Knight